قانون الجرائم الإلكترونية: بين الواقع والمأمول

في يوم الثلاثاء الماضي بتاريخ 26 أكتوبر كان البرلمان، وضمن جلسة مغلقة، قد وضع مقترحاً للتباحث في أمر سن قوانين تختص بالجرائم الإلكترونية، والتي تشمل جرائم مختصة بالقرصنة والتشفير، وأيضاً الاعتداءات على الأفراد عبر شبكة الإنترنت بصور مختلفة.

وقد أقر البرلمان هذا القانون بمباركة الأغلبية دون وجود أي تعديلات على أي مادة من مواده، وهو ما أثار حفيظة الكثير من المدونين وأصحاب الرأي، الذين اعتبروا أن القانون قديم وفضفاض ولا يتناسب مع الرؤى الحديثة، واعتبر المهتمون أيضاً أن هناك أشياء كثيرة من المفترض أن تسبق هذا القانون، من قبيل إقرار قوانين المعاملات الإلكترونية، وتفعيل خدمة PayPal، والتحول التقني بالمجمل الذي لم تمضي البلاد فيه إلا شوطاً يسيراً. حيث تغلب المعاملات الورقية على أغلب الدوائر الحكومية، رغم وجود منظومات إلكترونية شاملة...

فما فحوى هذا القانون وماذا يحمل بين طياته؟ وهل كان هذا القانون واقعياً ومنصفاً أم أنه غير واقعي؟ وهل سيستخدم هذا القانون فقط لتكميم الأفواه وتكبيل الرأي العام؟ ولماذا شن رواد مواقع التواصل الاجتماعي حملة ضده؟

أول وأكبر المعارضين لقانون الجرائم الإلكترونية بشكله الحالي والذي أقره البرلمان هو أمين صالح: رئيس مجلس إدارة المنظمة الليبية لتقنية المعلومات والاتصالات، الذي اعتبر القوانين التي صادق عليها البرلمان قوانين قديمة ولم تأخذ بعين الاعتبار آراء أصحاب الاختصاص، ولم يهتم فيها البرلمان بالتوصيات التي وجهت إليه.
كما أنه كان قد سخر أيضاً عبر صفحته على الفيسبوك من بعض المواد التي -وعلى حد قوله- إن تم تطبيقها فسيتم تغريم الشعب بأكمله، أو ربما جزه في السجن، منها تلك القوانين المختصة بالتشفير واستخدام البرامج المقرصنة التي اعتبرها البعض مدعاة للسخرية، لأن الدولة نفسها بكل دوائرها الحكومية تستخدم هذه البرامج المقرصنة لكتابة معاملاتها ومراسلاتها اليومية، وربما نص القانون نفسه قد تمت كتابته بإحدى هذه البرامج، وهو ما يمكن اعتباره ثغرة قانونية سيتم استغلالها عادة لمقاضاة الصحفيين والصحفيات والإعلاميين والإعلاميات وأصحاب الرأي بالمجمل، وتوجيه الاتهامات إليهم.

Amin Salih

ويعتبر البعض أن أغلب مواد هذا القانون كانت موجهة فقط في سبيل تكميم أفواه فئات معينة توجه النقد لتصرفات أعضاء البرلمان والحكومة ومؤسسات الدولة عموماً، خصوصاً بعد تسريب وتداول الكثير من الصور والفيديوهات المخلّة للمنتسبين لهذه الجهات. ومن هذه المواد قوانين فضفاضة تختص مثلاً بتجريم الاعتداء على المقدسات والشعائر، وهي أكثر المواد التي تستغلها السلطة في تكميم أفواه الأشخاص الذين ينتقدون ممارسات وزارة الأوقاف ودار الإفتاء وغيرها من المؤسسات الدينية، التي يضعها هذا القانون تحت الحصانة بحيث يصبح مجرد نقد هذه المؤسسات والقائمين عليها جرماً تتم مقاضاة أصحاب الرأي بسببه.

هذا بالإضافة إلى مواد أخرى وجدت خصيصاً لوضع البرلمان وأفراده تحت بند المقدسات التي لا يجب نقدها والسخرية منها، حيث تم اعتبار تداول فيديوهات وصور ساخرة لأي شخصية عبر مواقع التواصل الاجتماعي جُرماً يستوجب غرامة مالية تقدر ما بين ألف دينار و10 آلاف، بالإضافة إلى السجن لمدة سنة مع إمكانية أن تتمدد العقوبة إلى خمس سنوات تحت ظروف معينة، وكان هذا ضمن المادة رقم (21).

كما وجدت أيضاً مواد أخرى فضفاضة، مهمتها الرئيسية تكبيل النشطاء والصحفيين منها المادة (37) المختصة بما يسمى بتهديد الأمن والسلامة العامة، ومحاربة نشر المعلومات التي تندرج تحت هذا السياق، وتقضي هذه المادة بالسجن لمدة لا تقل عن خمس سنوات مع غرامة تتراوح بين 10 آلاف و100 ألف دينار لكل من ينشر ما يهدد الأمن والسلامة العامة، وهذه المادة تمتاز بكونها فضفاضة ويمكن أن يسجن على أثرها أي صحفي أو ناشط يقدم معلومات عن الفساد أو معلومات عن انتهاكات حقوقية، وهي تشبه إلى حد ما قانون مكافحة الإرهاب في مصر الذي تم على أثره إيداع الكثير من النشطاء وراء القضبان.

وبالعودة إلى باقي المواد التي اعتبرها البعض جيدة، بل ممتازة، فيمكن القول إنه حتى تلك المواد التي عنيت بالآداب العامة ومكافحة الإباحية والدعارة والمروجين لها كانت مواد فضفاضة، يمكن أن تندرج تحتها كل منصات مشاهدة الأفلام دون استثناء، بما في ذلك المنصة الشهيرة نيتفلكس ومواقع ثقافية معينة. هذا بالإضافة إلى المادة (35) التي جعلت حتى عدم التبليغ عن أي اختراق لأحد هذه المواد من طرف رواد مواقع التواصل الاجتماعي يقضي بالسجن مدة لا تقل عن ستة أشهر مع غرامة تصل إلى مبلغ 3 آلاف دينار.

أما المادة (29) والتي اختصت بمكافحة بث النعرات العنصرية والجهوية عبر مواقع الإنترنت فقد قضت بعقوبة لا تقل عن السجن لمدة عام كامل مع غرامة قد تصل إلى عشرة آلاف دينار، وهذه المادة أيضاً تندرج تحت المواد الفضفاضة التي لا تخلو من سوء النية، ويمكن استغلالها لتلفيق التهم لأصحاب الرأي. وهذا هو تحديداً ما يجعلنا نتساءل بشكل جدّي:
إن كان هذا القانون يخدم المواطن؟ أم أنه قانون كان غرضه الأساسي هو حجب المؤثرين عن الساحة وتكميم أفواه العامة لصالح فئات معينة تجلس على كرسيّ السلطة ولا ترغب لأي فئة أن تحاسبها أو تقوم بنشر المعلومات التي تدينها؟

مقالات ذات صلة