رياضة
19.10.22

محمد علي كلاي: من قهر العنصرية لقهر المرض

 من أصول أفريقية

ولد " كاسيوس مارسيلوس كلاي جونيور" في 17 يناير 1942 في مدينة لويفيل بولاية كنتاكي الأمريكية، حيث ينحدر من عائلة ذات أصول أفريقية "سوداء" متوسطة الدخل، من أبوين مسيحيين، فالأب كان رسامًا، يعمل في رسم اللافتات واللوحات الإعلانية أما الأم فكانت ربت بيت تهتم به وبشقيقه الأصغر "رودولف" والذي تغير اسمه أيضًا بعد اعتناق الإسلام إلى "الرحمن علي".

بين جسد "أسود" وعقل "متعسر" بدأت معاناته

رغم أنه كان يعاني من عسر في القراءة، وهذا سبب له بعض المشاكل في مسيرته الدراسية في طفولته، إلا أن هذا لم تكن أكبر مشاكله، فقد كان يعاني هو وشقيقه من التمييز العنصري بسبب بشرته "السمراء"، ولعل الحادثة التي أثرت فيه كثيرًا عندما تم رفض بايع أحد المتاجر من بيع ماء بسبب التمييز العنصري. وأيضًا تأثر كثيرًا بقصة مقتل الفتى الأسمر "إيميت تل" الشهيرة صاحب 14 ربيعًا عندما اعتدى عليه رجلان أبيضان في سنة 1955، وقاما بتعذيبه حتى فارق الحياة، لتقوم المحكمة بعدها بالحكم ببرأتهما لعدم توفر الأدلة. وحتى عندما اعترفا بجريمتيهما لم يتم محاكمتهما أيضًا، لأن قانون الولاية لا يجيز محاكمة الشخص مرتين بالتهمة نفسها.

رد فعل الطفل "كاسيوس" كان عدوانيًا، فقام مع أحد أصدقائه بتخريب ساحة سكة حديد محلية، تعبيرًا عن غضبه لهذه الحادثة، والتي وصفها فيما بعد بأنها "أكثر قصة هزته في حياته".

لص جعل منه ملاكمًا

علاقة "كاسيوس" بالملاكمة بدأت بحادثة جاءت بمحض الصدفة، عندما سرقت دراجته، فذهب غاضبًا لضابط الشرطة "جو إي مارتن" يسأل عن اللص مهددًا بضربه وسحقه، وأنه ذاهب للبحث عنه، فكان رد الضابط وهو مدربه فيما بعد بأن يذهب ويتعلم الملاكمة، وقدم له عرضًا للانضمام لإحدى قاعات الملاكمة التي يعمل بها، وكان حينها يبلغ من العمر 12 عامًا فقط.

في البداية رفض الطفل هذا العرض، ولكنه بالصدفة كان يشاهد برنامج تلفزيوني عن الملاكمة أثار إعجابه، ليبدأ مزاولة الملاكمة، وكان المدرب "مارتن" صاحب الفضل الأكبر في صناعته كبطل أسطوري، وهذه بشهادة "كلاي" بنفسه.

1 / 3

العنصرية أفقدته لذة النجاح

بعد نجاحه الكبير في عالم الملاكمة كهواية، استطاع أن يكون ضمن الفريق الأمريكي المشارك في أولمبياد روما في سنة 1960، واستطاع أن يفوز بالذهبية على حساب البولندي تريكوفسكي، لتكون هذه هي الانطلاقة لكلاي نحو العالمية.

الطريف في هذه المشاركة أن كلاي كان يريد الانسحاب وعدم المشاركة والسفر لروما، بسبب خوفه الشديد من الطيران، لدرجة أنه ذهب لشراء مظلة "باراشوت" من أحد المحال التجاري التي تبيع المعدات العسكرية المستعملة.

ولكن بعد فترة قام كلاي برمي الميدالية الأولمبية في أحد الأنهار، بعد أن تشاجر مع أحد العنصريين حيث قال في مذاكراته: "كنت أقاتل رجلاً حتى الموت تقريباً، لأنه أراد أن يأخذها مني، والآن علي أن ألقيها في النهر." ولكن في أولمبياد 1996 التي استضافتها الولايات المتحدة الأمريكية تم تعويضه بواحدة أخرى، كرمز تذكاري، وهى النسخة التي أشعل فيها كلاي الشعلة الأولمبية.

 من ملك الشهرة لخادم للدين الإسلامي

في سنة 1964 كانت سنة التوهج لكلاي، حيث تربع على عرش الملاكمة العالمي، من خلال الفوز بأول بطولة عالم في مسيرته، وفي ذروة نشوته بالشهرة والعالمية فاجأ جمهوره في ذلك الوقت باعتناقه الدين الإسلامي، ويغير اسمه من "كاسيوس مارسيللوس كلاي" إلى محمد علي كلاي، وتكون هذه المرحلة نقطة تحول كبيرة في حياته.

ليتحول بعد ذلك إلى داعية لنشر تعاليم الدين الإسلامي، لكن كان يندد في تصريحاته عن تنامي ظاهرة الإرهاب والتطرف والإسلاموفوبيا، وله تصريح شهير في هذا الموضوع يقول فيه: "أنا مسلم ولا يوجد شيء يمت للإسلام في قتل أناس أبرياء في باريس أو أي مكان آخر في العالم، المسلمون الحقيقيون يعرفون أن العنف الوحشي لمن يطلق عليهم (المتطرفين الإسلاميين) يتعارض مع صميم مبادئ ديننا".

فيتنام الضربة التي لم تقتل "كلاي"

في سنة 1964 وقبل إشهار إسلامه، تقدم محمد علي كلاي لاختبارات الالتحاق بالجيش الأمريكي، ولكن تم رفضه لعدم تمكنه في مهارات الكتابة واللغة. ولكن في سنة 1966 تفاجأ كلاي بقبوله في صفوف الجيش الأمريكي المشارك في حرب فيتنام، بعد أن تمت مراجعة الاختبارات التي قام بها مسبقًا.

موقف "كلاي" من الحرب تغير كثيرًا، خصوصًا بعد أن أعلن سلامه، فقد صرح لوسائل الإعلام في ذلك الوقت: "لا يوجد أي خلاف بيني مع "الفيت كونج، وهذه الحرب ضد تعاليم القرآن، وإننا كمسلمين ليس من المفترض أن نخوض حروبًا إلا إذا كانت في سبيل الله ورسوله"، كما كان له تصريح شهير أيضا قال فيه " لن أحاربهم في فيتنام فهم لم يلقبونني بالزنجي، ولم يقوموا بسحلي، أو يطلقوا كلابهم علي، ولم يجردونني من جنسيتي، أو يغتصبوا أو يقتلوا أمي أو أبي، فلماذا أطلق النار على هؤلاء المساكين؟  فلتأخذوني إلى السجن إذًا".

بعد هذا الرفض تم سحب لقب بطولة العالم منه، كما تمت محاكمته بالسجن لمدة 5 سنوات، بتهمة التهرب من الخدمة العسكرية وتغريمه بمبلغ 10 آلاف دولار ومنعه من ممارسة الملاكمة لمدة 3 سنوات. فتم فعلًا إيقافه عام 1967 عن اللعب لمدة ثلاثة سنوات، قبل أن يعود إلى الحلبة مرة أخرى في أكتوبر عام 1970، بناءً على طعن تقدم به.

1 / 4

في أفريقيا عاد للعرش

بعد عودة محمد علي كلاي لحلبات الملاكمة، استطاع أن يستعيد لقب بطولة العالم عام 1974 في زائير، من منافسه آنذاك "جورج فورمان" غياب ثمانية سنوات بسبب رفضه الخدمة العسكرية في فيتنام.

حيث أقيم النزال في ملعب لكرة القدم في "كنشاسا" العاصمة الزائيرية بحضور جمهور غفير جدًا، كان ترى في كلاي البطل الأفريقي الذي يناصر قضاياهم، خصوصًا بعد أن وعدهم كلاي يسقط فورمان أمام رجليه. وكان محمد يردد دائمًا قبل النزال "أنا مسلم وجذوري أفريقية".

وبفضل قوة وسرعة لكماته، ودهائه في استنزاف قوة خصمه وتكتيكه العالي للنزال، استطاع في الثواني الأخيرة من الجولة الثامنة أن يوجه الضربة القاضية "لفورمان" ويسقطه أرضًا، ليكون بذلك أفضل لاعب في التاريخ، وليس في العالم فقط بعد هذا النزال.

ليتوج بعدها أيضًا ببطولة عالم أخرى في سنة 1978 يوكون بذلك أول من يفوز بلقب بطولة العالم للملاكمة 3 مرات متتالية على مدى 19عامًا في سنوات 1964 و1974 و1978.

زيارته لليبيا
في سنة 1974 وبدعوة رسمية من جمعية الدعوة الإسلامية زار محمد علي كلاي ليبيا، وقام بجولة في مدينتي طرابلس وبنغازي، منها زيارته لضريح شيخ الشهداء "عمر المختار" بمدينة بنغازي، وأيضًا شارك بمباراة استعراضية بصالة مجمع المرحوم رجب عكاشة بالعاصمة طرابلس، مع الملاكم الليبي جبران الزغداني، وأيضًا مع عثمان الميلادي وونيس الجبالي.

1 / 4

العودة للمنزل  

في الثالث من يونيو 2016 الأسطورة محمد علي كلاي لفظ أنفاسه الأخيرة في مدينة فينيكس بولاية أريزونتو الأمريكية عن عمر يناهز 74 عامًا بعد مضاعفات في المجاري التنفسية. لتنتهي رحلة شاقة وطويلة في مكافحة العنصرية والتمييز، كان بطلها طفل لم يختر لا لونه ولا أصله، فبحث عن ذاته ليجدها عند ملايين الناس التي هتفت باسمه، دافعت معه في قضيته العادلة. لتقام له مراسم جنازة مهيبة بحضور الآلاف من مناصريه في مسقط رأسه ببلدة لويفيل، في ولاية كنتاكي.

1 / 3

مقالات ذات صلة