الألغام: حرب ممتدة لعشرات السنين ضد حياة الليبيين (2)

ملاحظة: كتبت لنا إيمان السنوسي هذا التقرير من جزئين، اقرأ الجزء الأول هنا.

الألغام والنظام الصحي الليبي:

في بلدنا ليبيا، التي تعد واحدة من اثنين وثلاثين دولة لازلت متخلفة عن اتفاقية أوتاوا لحظر الالغام، والتي تمخضت عن منع استخدام الألغام في 164 دولة حول العالم، إلى جانب دول أخرى عظمى ترفض التوقيع مثل (الولايات المتحدة الأمريكية، والصين، وروسيا) بسبب كون هذه الدول أكبر مصنعات للألغام في العالم. فإن إحجام ليبيا عن التوقيع يصعب تفسير دواعيه، حيث يكلف التعامل مع الألغام خزينة الدولة ملايين الدولارات، هذا في ظل استمرار النظام الصحي الليبي في التردي والانهيار. وبينما تكشف التقارير العالمية أن خطر اللغم لا ينحصر في حياة ضحيته المباشرة؛ فإن التأثيرات السُمية للغم الكامن في الأرض بالغة الخطورة، حيث تُسبب السموم التي يطلقها اللغم في التربة والبيئة المحيطة في زيادة معدلات الإصابة بالسرطان، وفي إحداث تشوهات في الأجنة، فضلا عن إحداث طفرات جينية.
وفيما تشير التقديرات إلى أن ثمة ما يقارب 3 مليون لغم مزروعٍ في ليبيا؛ فإن الأطراف المتنازعة لازالت تستخدم هذا السلاح المعادي للحياة وللبشر بكميات مخيفة في كل حرب، ولازال الليبيون يخسرون ثروات بشرية غالية في حرب لا نصر فيها.

عناصر من "الهيئة الوطنية للسلامة" يزيلون ألغاما وعبوات ناسفة مستخدمة خلال النزاع المسلح في طرابلس، ليبيا، 3 يونيو/حزيران 2020. © 2020 حازم تركية/وكالة الأناضول عبر غيتي إيمجز

ليبيا تتجاهل دعوات العالم لحظر الألغام:

تعمل الحملة الدولية لحظر الألغام ICBL -والتي تضم في عضويتها أكثر من 1000 منظمة مجتمع مدني غير حكومية في 72 دولة حول العالم- منذ عقود على إنهاء استخدام الألغام والحد من تأثيراتها؛ حيث نجحت الحملة في دفع العالم للتوقيع على معاهدة أوتاوا؛ ومُنحت جائزة نوبل للسلام بسبب إسهامها العظيم في حماية الحق في الحياة. وليبيا؛ على الرغم من كونها من الدول الأكثر تأثرًا بالألغام سواء من الأزمنة الاستعمارية أو في النزاعات السياسية الأخيرة، فهي من الدول القليلة التي تتجاهل المعاهدة العالمية. فعلى سبيل المثال؛ كانت احتفالية المركز الليبي للأعمال المتعلقة بالألغام ومخلفات الحروب باليوم العالمي للتوعية بمخاطر الألغام الذي صادف يوم 28 من مارس المنصرم قد شهدت صمتًا مخيّبًا لكثيرين إزاء مصير استخدام هذا النوع من الأسلحة في ليبيا؛ والتي تعدُّ ليبيا حاليًا واحدة من بين أكبر مختبراتها في العالم، وظلّت الجهات الرسمية صامتة إزاء معاناة المتضررين من تلك الأسلحة، وإزاء مصير أطنان وأطنان من الألغام التي قد تسرق حياة أي منا في أية لحظة.

وظلت كذلك غير قادرة على التعامل مع التركة البشعة والكارثية للحروب متمثلة في الألغام. وبحسب الجهات الدولية والنشطاء؛ فإن الدولة الليبية مطالبة باتخاذ خطوات حقيقية من أجل حظر استخدام الألغام، وإزالة ملايين الألغام المزروعة سلفًا، وبدء برنامج توعوي تدريبي حقيقي وفاعل يؤهل المجتمعات المحلية في ليبيا لمجابهة خطر الألغام، وأخيرًا وضع خطة وطنية فاعلة وسريعة لإنهاء معاناة ضحايا الألغام.

"لا حياةَ، أهون عليّ من نصف حياة"

هكذا يقول أحد مبتوريّ الأطراف ممن فقد طرفه في انفجار لغم في حيّ سكني. ففي دولة تعاني من شتى التحديات؛ السياسية، والأمنية، والاقتصادية، والبيئية، ظلت ملفات ضحايا الألغام ومبتوري الأطراف في أدنى سلم الأولويات. فعائلات الضحايا -ممن تتراوح إصاباتهم بين فقدان حواسٍ أساسية مثل البصر، وإعاقات حركية مختلفة الشدة، وبين فقد أحد أو عدة أطراف- يقفون عاجزين أمام المتطلبات المادية الضخمة للعلاج في الخارج؛ ولتركيب أطراف صناعية، وليس ذلك بسبب ضعف النظام الصحي الليبي وعدم توفر خطط صلبة وواضحة لإعادة تأهيل الضحايا فحسب، بل بسبب كون غالبية الضحايا من الأسر النازحة داخليًا؛ والتي أُجبرت على العودة إلى منازلها بمناطق النزاع السابقة رغم شبح الألغام والموت المحدق، لانعدام الخيارات أمامهم. ولكي يبدأوا بإعادة بناء حياتهم المُهدّمة، كُتب عليهم أن يراوغوا شبح الموت والإعاقة والتشوهات الجسدية، ويكابدوا العيش في حال إصابتهم؛ وحدهم، دون داعم ولا مُعين.

مقالات ذات صلة