الألغام في ليبيا: حرب ممتدة لعشرات السنين ضد حياة الليبيين (1)

زراعة الألغام في ليبيا لا زالت تودي بأرواح المئات في ليبيا، كما أنها تخلف وراءها عشراتٍ من الحيوات المدمرة. فمن لم يمُت جراء الإصابة؛ يجد نفسه في غالبية الأحيان ضحية لإعاقة دائمة، أو تشوه كُتب عليه أن يعيش به، وفي خضم كل الحروب التي مرّت بها البلاد، في الشرق وبنغازي ودرنة على وجه الخصوص، فضلًا عن سرت والجفرة والجنوب الليبي، وحرب طرابلس الأخيرة؛ استُخدمت الألغام في مناطق واسعة من الأراضي الواقعة في دائرة الحرب - لأسباب غير معروفة لنا كمواطنين.

فبينما تدّعي أطراف النزاع دائما بأن سلامة الإنسان وحياته هي الأولوية والغاية؛ تدأب ذات الأطراف على ترك أطنان من الألغام وراءها، وهي واعية تمام الوعي أن من سيقع ضحيتها هم في الغالب الآباء الذين أضناهم طول النزوح والاغتراب الداخلي، والأطفال الصغار الشغوفين بالاستطلاع واللعب.

عناصر من "الهيئة الوطنية للسلامة" يزيلون ألغاما وعبوات ناسفة مستخدمة خلال النزاع المسلح في طرابلس، ليبيا، 3 يونيو/حزيران 2020. © 2020 حازم تركية/وكالة الأناضول عبر غيتي إيمجز


وإذ يلعب ضعف القدرات الإحصائية في المستشفيات والمراكز الطبية دورًا حاسًا في تبيان خطر هذه الزراعة المميتة، فإن الأرقام المتداولة حاليًا، والتي تفيد بأن ضحايا الألغام في ليبيا بين عامي 2008 و 2019  المسجلة تبلغ أربعمائة وستة وثلاثون (436) قتيلًا. أما في السنتين الأخيرتين، فقد خلفت الألغام ما يربو عن مائة وثلاثون (130) قتيلًا، وآلافٍ من الجرحى. وبينما تؤكد التقديرات أن ما لا يقل عن 80% بالمائة من الضحايا هم من المدنيين -30-40% منهم أطفال حسب تقارير اليونيسيف- والبقية من العاملين والمتطوعين في نزع الألغام، فإن الأخبار المسموعة والروايات في السجلات غير الرسمية تشي بأن الرقم الفعلي للضحايا أكبر من ذلك بكثير.

  • فما هي هذه الزراعة الخاسرة؟

تصنف الألغام على أنها أسلحة عشوائية من حيث كونها لا تميّز بين مدني وعسكري، وهي مصممة لتنفجر في وجه من اقترب منها، مدنيًا كان أو عسكريًا، بالغًا كان أم طفلًا. تاريخيًا، عرف العالم الألغام منذ القدم، إذ تروي السجلات التاريخية أن البشر بدأوا باستخدام الالغام منذ العصور الرومانية القديمة، وكان أول الأنواع المستخدمة هي نوع من الأسلحة الحادة التي تدفن تحت الأرض، بغرض الفتك بالعدو وإعاقة تقدمه.

غير أن استخدام الألغام بشكلها الحديث بدأ في الحرب العالمية الأولى، كشكل من أشكال الدفاع ضد تقدم قواتِ العدو؛ ثم تطورت بمرور السنين- بينما للمفارقة ظلت أجهزة كشف الألغام على حالها منذ الحرب العالمية الثانية- لتصبح سلاحًا فتّاكًا يعد من أخطر الأسلحة وأكثرها تدميرًا على الإطلاق! ويقدر عدد الألغام التي لا تزال كامنة بانتظار ضحاياها حوالي 110 مليون لغم موزعة على 65 دولة تقريبًا، ويزال منها حوالي 200,000 لغم سنويًا، بينما تظل الملايين قابعة في الأرض، بانتظار الحصاد.

  • الألغام كسلاح دمار شامل!

يُساء دومًا تقدير التأثيرات الكارثية للألغام، حيث تستخدم بكثرة كونها من أرخص الأسلحة -يكلّف اللغم الواحد حوالي 3 دولار أمريكي- وأكثرها تكبيدًا للخسائر. فإلى جانب الإصابات المميتة؛ فإن تكلفة علاج وإعادة تأهيل الفرد الناجي من الإصابة تبلغ في المتوسط حوالي 5000 دولار أمريكي؛ بينما تبلغ تكلفة إزالة اللغم الواحد بين 300-1000 دولار أمريكي. هذا ناهيك عن التكلفة المادية المرتبطة بالتدريب والتأهيل والتوعية المرتبطة بالألغام. كما أن ثمة جانبًا آخر يُغفل دومًا عند الحديث عن الألغام؛ وهو التأثيرات البيئية للألغام.

فبينما تعد الأنواع الأخرى من الأسلحة آنية؛ فإن الألغام تظل دوما كامنة في الأرض بانتظار ضحيتها؛ أي أنها تعيش لعقود، ولقرون بعد موت كل من شارك في صناعتها أو زرعها. وفي غضون ذلك؛ تطلق الألغام سمومها في الأرض مُلوثة التربة، والمياه الجوفية، والحياة البرية. ففي تقرير استقصائي نفذه (مركز التثقيف البيئي، هيمالايا 2007) وُجد بأن الألغام التي زُرعت في ليبيا في الحرب العالمية الثانية قد دمرت في السنوات بين 1940-1980 عدد 125,000 من المواشي، كما أنها تسببت في اختفاء الغزلان وحيوانات الودان من الصحراء الليبية.


وفيما تحدّ الألغام كذلك من مساحات الأراضي الزراعية وتدمر قطاع الزراعة؛ فهي أيضًا تبث الألغام السموم في التربة وتجعلها غير قابلة للزراعة.

الألغام في ليبيا.. معركة مستمرة تهدد حياة المواطنين | قضية اليوم

مقالات ذات صلة