انتهى يوم 11 / سبتمبر وقد حدث ما حدث، الشيء الذي فاجئنا جميعاً هو أن منذ صبيحة يوم 12 / سبتمبر رأينا العالم كله في درنة !
نعم، كانت حقيقة فنحن الناجيين في مدينة درنة بدأنا نرى في شوارع مدينة درنة أو بمعنى أحرى شوارع المنطقة المنكوبة -رغم أنه لم يبقى شوارع ولا أحياء ! – فرق الإغاثة والطوارئ والمساعدات الإنسانية من دول أوروبا وآسيا والشرق الأوسط والدولة العربية وبرامج ومنظمات الأمم المتحدة .
فلقد رأينا فرق الإغاثة والطوارئ التركية المجهزة بكافة المعدات والأدوات والمتمسرين في عملهم من بحث على الجثامين وإنقاذ العالقين كما أن المرواحيات التركية لم تغيب عن سماء درنة لمدة أسبوع لتصوّر المنطقة المنكوبة وتحاول عن طريق الأقمار الصناعية معرفة أماكن العالقين.
كانت أيضاً لدولة مصر والجزائر تواجد واضح في شوارع درنة بفرقهم العسكرية وفرق الدفاع المدني والإغاثة، كما تواجد الجيش الأردني بعدته لأيام طويلة في وسط منطقة الكارثة، كذلك تواجدات فرق الهلال الأحمر الفلسطيني والوفد الطبي المصاحب لهم ليقدموا كافة الخدمات والمساعدات .
رأينا أيضاً المستشفيات الميدانية التركية والفرنسية والتي تواجدت في نقاط وتمركزات داخل المدينة لمساعدة العائلات وإمدادهم بالعلاج والمساعدات الطبية خاصة للناجيين منهم وكذلك استقبال الجثامين والجثث – إن وجدت -!
حجم الكارثة في درنة كان مهولاً وكان يحتاج إلى جهود كبيرة خاصة مع غياب الخبرة والدراية للتعامل مع الكوارث الطبيعية وعدم الاستعداد لها بشكل جيد وواضح، يصف منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية عندما زار درنة ورأى هول الإعصار : " حجم كارثة الفيضانات في ليبيا صادم ويفطر القلب! مُحيت أحياء بأكملها من الخريطة ، جرفت المياه عائلات كاملة فوجئت بما حصل، لقي الآلاف حتفهم وتشرّد عشرات الآلاف الآن بينما ما زال كثر في عداد المفقودين . "
رغم عمل الفرق الدولية بشكل مستمر لفترة طويلة في مدينة درنة وحتى ما يقارب مطلع شهر أكتوبر وكانت برفقته أيضاً فرق الإغاثة الليبية من المتطوعين والجمعيات الأهلية وفرق الأطباء من كافة مناطق ومدن ليبيا في مشهد ارجع لليبين صورة وحدتهم، فدرنة جمعت كل مدن ليبيا بأطيافها وقبائلها ومبادئها وتوجهتها، جمعتهم في ليلة وضحاها في مكانٍ واحد ! جمعت أبناء الوطن بعد فراق سنين ليعملوا جنباً إلى جنب، العسكري بجانب العسكري رغم اختلاف تبعيتهم وتوجههم، والطبيب جنب الطبيب رغم بعد المسافة بينهما، لم يبخل أحد أن يقدم كل صور السخاء والعطاء لدرنة وأهلها .
لو أردت أن اعدد المواقف التي حدثت معي شخصياً أو رأيتها بعيني مع غيري لم تسعني الكلمات، هذه المواقف كانت ضمادات لجروحنا! ضمادات لوجع القلب وآلم الروح مما حدث، كانت كطبطبة علينا، كان الشيء الوحيد الذي يبعث الأمل ويفرح حينها رغم الآلم والحزن العميق الذي نعيشه .
المشهد عاد لليبين أذهان أحداث عام 2011 وكيف كانوا يداً واحدةً وبصوت واحد، أعتقد أنه لم تجتمع ليبيا على كلمة واحدة منذ عام 2011 إلا في درنة في 2023 !
12 عاماً من الشتات والخلافات والنزاعات بين بني الوطن الواحد، بين الأنساب والقبائل المترابطة !
وحقيقة رأينا العالم كله في درنة ! العالم الدولي والعالم الليبي
وبمعنى آخر كانت درنة هي العالم ! .
رحم الله الشهداء ، وخفف عن الفاقدين، وعافى المجروحين
ولمّ شمل أبناء الوطن على الخير والصلاح .