أصبحت كرة القدم في أوروبا بل العالم أجمع، حتى على المستوى العربي حالياً تُدِرّ دخلاً ماديا للبلاد بأكملها. لا يقتصر هذا على الأندية فقط، بل أتحدث عن الدخل المعنويّ قبل الدخل المادي، فنحن هنا نبحث عن بنيان لا يلتوي ولا ينكسر لسنوات وسنوات طويلة.
هناك في بلاد الخليج -حيث لا خامة فنية- أصابوا العالم بالسكتة الرياضية، في حين أن بقية العرب يتنافسون بالسياحة وأمور أخرى، تحاول منطقة الخليج الاستثمار في شيء لن تصل إليه بقيّة بلدان العرب إلا بعد سنوات من العمل. المشكلة هنا أننا لا نبحث عن التقدّم بخطوات ثابتة من الأسفل إلى الأعلى، بل نظلّ في الأسفل ننتظر أن يأتي الأعلى إلينا.
فأصبحت دول الخليجِ تطوّر ملاعبها بشكل لا يصدق، فقبل أيام تم تدشين رابع ملعب في قطرٍ لاحتضان نهائي كأس العالم بعد عامين من الآن. يقف العالم كله شاهد على تلك التُحفة الفنية من دولة صغيرة جداً في المساحة، ولا يقتصر الأمر على ذلك بل إن قطر تمتلك حالياً أفضل أكاديمية رياضية في العالم ال عربي كما تُصنف عالمياً أيضاً. يتم تدشين عدة أكاديميات في دول الخليج، حيث المُستفيد الأكبر هو المواطن العربي الموهوب الذي لا يمتلك ثمناً للسفر ليتمكن من إظهار جدارته وقوته هُناك في أوروبا، بل يستطيع الآن الانتساب إلى هذه الأكاديميات المحليّة التي بدورها تهتمّ به على الصعيد الجسديّ بل والنفسيّ أيضاً.
نحن في بلاد تمتلك الأموال والمساحات، فإن تم التخمين والتخطيط لهذا فبإمكان ليبيا استضافة أكبر البطولات العالمية سواء الإفريقية أو مباريات البطولات الأوروبية التي تلعب خارج القارة مثلاً: "كأس الملك الإسباني - كأس السوبر الإسباني - كأس السُوبر الإيطالي". جُلّ ما يتطلبّه الأمر هو الاهتمام بالقطاعِ الرياضي ووضع خطة زمنية بعد سنوات تُمكّننا من وضع قدماً للأمام رفقة العالم ببناء العديد من الملاعب والأكاديميات الدولية.
لا أخصّ في حديثي هذا كرة القدم فقط، بل أغلب الرياضات مثل: التنس، كرة اليد، كرة السلة وكرة الطائرة أيضاً. فما نحتاجه، برأيي، هو التخطيط الاستراتيجي والجهد والأشخاص المتفانون ذو الخبرة بما يلزم من بناء وتشييد للملاعب واستقبال البطولات الودية والدولية التي تتطلب حضور جماهير كبيرة. استثمار كهذا سوف يساعد لا محالة كل من الرياضة والسياحة والشباب.
قديماً كانت إنجلترا تجلب العالم لمشاهدة البطولات الكروية بين منتخبهم ضد منتخب المجر، وذلك بغرض إظهار قدرتهم على بناء كل شيء في غضون سنوات قليلة، رغم أنّ الإمكانات لم تكن متاحة في تلك الفترة كما يحدُث الآن من تطور على الصعيد العالمي.
المتنفس الأكبر للشباب داخل البلاد هو الرياضة بلا منازع...الكل يتنفسها هنا وسط صخب القلوب الشغوفة والتوّاقة إلى ما هو أكبر من مجرد متابعة إنجازات الآخرين. فمتى يحضُر العالم إلينا ليشاهد قدراتنا الرياضية ومواهبنا وحسن ضيافتنا في استقبال الوفود من أوروبا والعالم؟ نحن نمتلك كل المقومات ليأتي الجميع ليلعب داخلَ البلاد!
يقُول إدواردو غالياني في كتابه كرة القدم في الشمس والظل
: "إنه مكان بعيد جداً، وتذاكر السفر غالية" كناية عن قلة الحيلة في متابعة فريقك خارج أرضك وأنت لا تتمكن من السفر معهم إلى الخارج ومساندتهم في كل مكان. في هذه الحالة، نضعُ حداً لهذا الأمر ونبني ملاعباً تتيح لنا مشاهدة مباريات فرقنا ورياضاتنا تلعب داخلِ البلادِ لا خارجها.
تتمثل الصحوة في تطوير الصرح الرياضي وبناء جيل يقوى على المضي بعيداً في البطولات الخارجية حتى يتمكنوا من إرعاب الخصوم داخل استاد مليء بأبناء جلدتهم.
لنبني الرياضة حتى يأتي لنا العالم ويعلم أننا نمتلك المواهب والشغف الحقيقي الخاص بالرياضات الجماعية والفردية..