هناك من له في الحظ صولات وجولات، وهناك أيضاً من له فيه خيبات ونكسات، ولكن أن يأتي الحظ إليك وترفضه، فهذا البؤس بعينه! فالقصة تحكي عن دولة اسمها ليبيا جاورت شقيقتها الأربعة (مصر وتونس والجزائر والمغرب).
هذه الدول الأربعة نالت ما لذّ طاب من التتويجات في كرة القدم الأفريقية، على صعيد المنتخبات والأندية، وتمكنت من الظفر بجُلّ الألقاب، ووصلت إلى كأس العالم والأولمبياد. أما منتخبنا رفقة أنديتنا فلهم من كل مشاركة انتكاسة، وخروج مبكّر من الأدوار الأولى إلا لما ندر، وأداء باهت.
القصة لم تنته هنا بعد، فمن إنجازاتنا في القارة الافريقية، هي تلك الفرحة التي نصنعها لمنتخبات كساوتومي المغمورة، وجعلها تعيش لحظات لولا منتخبنا لما استطاعت تحقيق أول فوز لها في المنافسات الافريقية، وهذه المرة أدخلنا الفرحة لغينيا الاستوائية وتنزانيا.
محلياً، توقف الدوري وباتت عودته رهينة للوضع الأمني، الفرق الليبية تشارك خارجياً ببذخ الصفقات وعشوائية التنظيم والتخ طيط، تجر معها مشاكل عديدة، وترافقها قلة الخبرة.
منذ عشر سنوات وصلنا ولم نكررها
بعد تولي الرئيس المؤقت مفتاح كويدير، الذي حمل شعلة الحقبة الكروية بتأهل ثالث في تاريخ ليبيا إلى بطولة أمم إفريقيا 2012، وحمل معه أعلى تصنيف للمنتخب الوطني الذي حل السادس والثلاثين عالمياً، من هنا بدأت طموح الجماهير الليبية تكبر وتلامس السماء لكنها سرعان ما سقطت بأولى الخيبات. عدم بلوغنا إلى كأس الأمم الإفريقية سنة 2013 وعدم تأهلنا إلى المرحلة النهائية لتصفيات كأس العالم، قابله إخفاق خارجي للأندية في العام ذاته لفريقي الاتحاد والنصر.
انتهت حقبة الرئيس المؤقت وجاء الدور على الرجل القانوني أنور الطشاني ليحمل الرقم 29 لرؤساء اتحاد الكرة، هذا الرئيس المنتخب أدار عجلة المسابقات المحلية لتحسب له نقطة في المقابل أول النقاط السوداء التي كانت على الورقة البيضاء قضية البرازيلي ماركوس باكيتا التي استنزفت خزينة الدولة 1300000 دولار لا لشيء إنما لسوء إدارة القضية. الطشاني الذي باتت المدرجات فارغة في ولايته، والتي انتعشت بلقب بطولة لم يكن لها شأن لمنتخبات القارة عندما توجت ليبيا ببطولة أمم إفريقيا للمحليين، حتى وإن كانت غير مقيدة في بطولات الفيفا. هذا التتويج نغّصه الخروج من تصفيات بطولة أمم إفريقيا والمونديال بنتائج كبيرة ومذلة ليجد نفسه في محكمة الفيفا مجدداً في قضية تعقدت خيوطها حينما ضحّى بالعجوز الباسكي خافيير كليمنتي وأقاله. وبطريقة البرازيلي خسر المحامي رهان القضية وكسبها المدرب الإسباني إما بتجميد الكرة أو باستنزاف خزينة الدولة من جديد بمليون وخمس مائة وخمسة وخمسين ألف يورو. رائحة الفساد في حقبة الطشاني سرعان ما اختنق منها الجميع فخرجوا عن صمتهم.
الرئيس الثلاثين والقديم الجديد يحمل تركة قديمة وإرثاً متنازعاً عليه جمال الجعفري، جاء لإخراج الكرة الليبية من النفق المظلم، بحسب ما وعد في انتخابات الصندوق، فلا للشان تأهلنا ولا للكان وصلنا ولا المونديال بلغنا، فقط مسابقات محلية صنفت بدوريات الأزقة والحواري، وفيه سجلت أطول مباراة في موسوعة غينيس بين الأهلي طرابلس والاتحاد.
السحر ينقلب على الساحر ليجد الجعفري نفسه خارج المشهد، الثقة تسحب والنائب يتمسّك ويتقلد منصب الرئيس الواحد والثلاثين للكرة الليبية عبد الحكيم الشلماني، تحت تراشق الاتهامات بين الرئيس الحالي والرئيس السابق.
لغة الأرقام لها ما تقول
لغة الأرقام والإحصائيات هي من استطاعت أن تترجم هذه الفوضى والتخبطات على وجود خلل كبير في الكرة الليبية، فالمنتخب الوطني الأول في آخر عقدين من الزمن إلى يومنا هذا، خاض 91 مباراة رسمية بين التصفيات الإفريقية المؤهلة إلى كأس العالم، وتصفيات بطولة أمم إفريقيا، ومشاركته في نسختي الكان 2006، 2012، فنسبة الفوز فيهم لا تتجاوز 30٪، أي بواقع 32 فوزا والتي كان آخرها على منتخب تنزانيا، وتعادل في 19، وخسر في 40 مواجهة، واستقبلت شباكه 109، فيما تعاقب على قيادة دفة الفرسان 20 مدرباً في 20 أي بمعدل مدرب كل عام لعدد من المباريات الرسمية لا تتعدى أصابع اليد الواحدة في السنة.
تتعدد الأسباب والموت واحد
المعلق والمحلل الرياضي أيمن دوزا أصابع اتهامه وجهها لنقطتين، الأولى إلى ضعف الشخصية القادرة على تسير الكرة الليبية، وكان رأيه "أن الشخصية القوية لابد أن تكون من اختيار الأندية التي دائما تبحث على المصالح الخاصة".
أما الأندية الكبيرة فكانت الأخرى محل اتهام دوزا في هذا التدهور، قائلا " الأندية الكبيرة هذا يبي الجعفري وهذا يبي الطشاني وهذا يبي الشلماني مش حباً فيه بل من أجل المصلحة الخاصة، أبرز مثال ما صار في مشكلة الشلماني والجعفري".
محمود الغرابلي رئيس تحرير صحيفة الشباب والرياضة كان له رأي أكثر تشاءما " الإخفاقات أصبحت جزء مهم في حياتنا نحن أبناء هذا البلد، ليس في الرياضة وحسب بل وفي كل المجالات، ويبدوا أننا ادمنا الفشل والإخفاق، وبالمناسبة نحن مبدعون جدا في التخطيط للفشل".
ذهبنا أيضاً للرئيس السابق لنادي الاتحاد، والموثق الري اضي عزالدين جرناز لنبحث عن إجابة لسؤال أي يكمن الإخفاق، فجاء رده " ضعف وقلة خبرة المسيرين، وعدم امتلاكهم لاستراتيجيات ورؤى وخطط مستقبلية،
وكان إخفاق الاتحاد العام في التعامل مع الرياضيين سبب في اختيار زكريا بوخلال للعب مع المغرب، وأيضا النقد الذي وجهه الشلماني لبن علي يدل على عدم فهمه لما يجري في العالم بسبب كورونا".
واختتمنا سؤالنا عند الاعب الدولي السابق عزالدين جرانه وكان رأيه " بصراحة أسباب كثيرة تبدأ من اختيارات رؤساء الأندية، واختياراتهم للاتحاد الكورة، بحكم اللوائح التي يجب أن تتغير حتى تصل الناس الاكفاء لقيادة اتحاد الكرة، وإبعاد الناس الفاشلين من الوصول إلى قيادة الاتحاد".