ثقافة الاختفاء القسري وأجواء الترهيب

بعد الاختطاف الأخير لمنصور المغربي يوم 3 يونيو، أصبح من الواضح أكثر من أي وقت مضى أننا نعيش في مناخ من الخوف والظلم. الحقيقة المخيفة هي أن الاختفاء القسري شيء يمسّنا جميعًا: واحدة من كل خمس أسر في ليبيا لديها تجربة مباشرة مع مأساة شبيهة.

هذا الرقم الهائل هو تذكير بسيط بواقع يتجاهل حقوقنا الأساسية في كثير من الأحيان، واقع محزن ولكنه حقيقي للغاية، ولهذا علينا جميعًا التصدّي له. بصفتنا بشرًا أولاً وليبيين ثانياً، لا ينبغي أن تكون حالات الاختفاء القسري جزءًا من حياتنا اليومية، ولا ينبغي أن تكون شيئًا يتعين علينا التفكير فيه في كل مرة نفتح فيها أفواهنا أو نشارك رأيًا.

كل يوم يتم خطف أناس من الشوارع أو من منازلهم، وغالبًا تنقطع أخبارهم بشكل تام. يمكنني القول أننا بطريقة أو بأخرى نشعر بما يعنيه ذلك. ولهذا تأثير عنيف ليس فقط على الضحية نفسها، ولكن أيضًا على عائلات ومجتمعات بأكملها ممن يقضون شهورًا وسنوات أو حيوات كاملة في انتظار معرفة مصير أحبابهم. على الرغم من أن قصص الاختفاء القسري يتم تداولها مؤخرًا على وسائل التواصل الاجتماعي لزيادة الوعي، إلا أنه نادرًا ما تقوم العائلات بالإبلاغ عن هذه الجرائم بدافع الخوف والترهيب والتقاعس من السلطات. في المناسبات التي يتم فيها الإبلاغ عن الجرائم، غالبًا ما تلقى هذه البلاغات آذانًا صماء، مما يعني أنه لا يوجد دعم للضحية أو للأسرة، أو محاسبة للجُناة.

من يساند ضحايا الاختفاء القسري وأسرهم؟ | نقطة حوار

على الرغم من أن ليبيا ليست جزءًا من الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري (ICPPED) وهي أداة لحقوق الإنسان تم إنشاؤها في عام 2007 لمنع الاختفاء القسري والجرائم ضد الإنسانية، إلا أنها دولة طرف في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (ICCPR)، مما يعني أنه يجب منع الاعتقال والاحتجاز التعسفيين واتباع الممارسة القضائية!

لكن المشكلة هي أن هناك نقص في المساءلة والحريات المدنية الأساسية، وانعدام أي اعتبار لخيار سيادة القانون. فعل مدار سنوات، ارتكب الخاطفون، وهم في الغالب أعضاء في الميليشيات أو المرتزقة، جريمة الاختفاء القسري دون أن يتم القبض عليهم أو اعتقالهم. إن عدم المساءلة هذا يسمح لهم بمواصلة أعمالهم الخارجة عن القانون، مما يمكّن المجرمين من الاستمرار في بث الخوف فيما بيننا وترهيبنا وإعاقة تقدم البلاد إلى أي أفق مشرق وكريم بطبيعة الحال.

بدلاً من العيش في جو من الخوف وعدم اليقين، نحتاج بدلاً من ذلك إلى خلق مناخ من التفاؤل والأمل، حيث يتم حماية الحريات المدنية الأساسية من التعدي. أن تصبح حرية التعبير وسيادة القانون جزءًا من حياتنا اليومية، على عكس واقع الشعب الليبي.
مع حدوث حالات الاختفاء القسري على أساس يومي، أصبح من الضروري أكثر فأكثر أن يجتمع الليبيون لمناهضة مثل هذه الانتهاكات العنيفة لحقوقهم. يجب وضع المزيد من الضغوطات للسعي نحو عالم لا يمكن أن يزدهر فيه الخوف ولا يسود فيه الظلم. في النهاية ندعو الله أن يبرّد قلوب أمهاتنا المكلومة وتقرّ عيونهن برؤية الأحباب وتشفى صدورهن باللقاء والعناق قريباً في وطن أقل قسوة وأكثر تقبلاً.

مقالات ذات صلة