يوجد لدينا في ليبيا الكثير من الشباب المُبدع والمتميّز في العديد من المجالات والمهارات سواء العلمية أو الفنيّة أو الثقافيّة، ولذلك أحاول في سلسلة من المقالات بعنوان: " شباب خلف الأضواء " بتسليط الضوء في كل مرّة على هؤلاء الشباب وتعريف الناس بهم وبإنجازتهم وليكونوا نموذج مشرّف ويحتذى به وأيضاً شُعاع أملٍ وبناء لبلادنا.
وسيكون معنا أول ضيّف في هذه السلسلة وهو المهندس المعماري حسام الخراز صاحب التصميم الشهير والجديدة لكتدرائية مدينة بنغازي والمعماري الموهوب ذو اللمسة الفنيّة الخاصّة والذي التقينا به ليحدّثنا لأوّل مرّة عن رحلته وإنجازته من ليبيا إلى أمريكيا وحصوله على جائزة أفضل تصميم معماري عن كتدرائية بنغازي من الجمعية الأمريكية للرسّامين المعمارين عام 2020 .
من المكتبات إلى العمارة
يعرّفنا حسام عن نفسه فيقول: " أعرف بنفسي فأقول حسام الشعالي الخرّاز مواليد يناير من عام 1972 م بمدينة بنغازي، أبي الشاعلي الخرّاز صاحب أقدم مكتبات مدينة بنغازي وهي مكتبة (الوحدة العربية) أو ما تعرف بمكتبة (الخرّاز) بشارع عمرو بن عاصّ بالمدينة" ويذكر حُسام أنّه كانت بداية شغفه العلمي والثقافي من المكتبة فيقول "بدأت رحلت في العلم والتعّلم خلال عملي مع والدي في المكتبة والذي من خلالها بدأت في القراءة والبحث والإطّلاع وهذا ما نمّى لدي حب المعرفة “.
بداية الرحلة من بنغازي إلى أمريكا
وعن طفولته يتحدّث م. حُسام أنه كان شغوف بألعاب التركيب والمجسمات وكذلك الرسم الميتة أو ما تسمّى (Rigid Drawing) وكان يكثر من رسم المباني والعمارات والمجسّمات، مع أنّه كان دائماً ما يقول أنه سوف يصبح طبيب يوماً ما وكان فكرة الهندسة بعيدة جداً عن خياله وتفكيره، واختصر هذا بقوله : "أحياناً مش أنت تختار المهنة، بل المهنة تختارك!"
وعن مرحلته الدراسيّة فقد كان في أول دفعة في قسم العمارة بجامعة بنغازي " قاريونس سابقاً " وكان ذلك عام 1991 وتخرّج منها عام 1996 م، ثم واصل عمله مع والده في المكتبات وتوزيع الصحف ويتحدّث عن هذه الفترة بأنها فترة مهمة جداً في حياته واستفاد منها جداً حيث كانت مُعيناً لها على ترتيب أفكاره وحياته وزيادة ثقافته وهذا الشيء كان لها تأثير إيجابي على مجال تخصصه في الهندس ة المعمارية ويقول: "كل شيء تعمل يضيف إلى شخصيتك وعملك“.
ثم بعد فترة من ذلك عمل في الشركة الليبية للإستشارات الفنيّة بمبنى الدعوة الإسلامية بمدينة بنغازي والتي تعد من الشركات الوطنية الشهيرة والكبيرة علمياً ومعرفياً وبعدها عمل فترة في مكتب للمجموعة الهندسية والتي كانت أكثر تنوعاً في المشاريع والعمل ، ثم بعد ذلك بفترة انتقل للولايات المتحدة الأمريكية لدراسة رسالة الماجستير في الهندسة المعمارية ويعلّل سبب سفره إلى الولايات المتحدّة نظراً لتعدد لتخصّصات هُناك وهذا الشيء غير موجود في دول أخرى بل وفي الولايات الأخرى في الولايات المتحدّة، فكان هذا أهم سبب للسفر إلى هناك وهو البحث عن تخصصه وهو "استخدام التكنولوجيا في الهندسة المعمارية" وكيفية تحويل المشروع إلى رسالة سمعية وبصرية يستفيد منها المستثمر في المشروع .
يقول م. حسام عن نفسه بأنه مهووس في التكنولوجيا والأدوات البرمجيّة خاصّة في مجال تخصّصه وهذا ما جعله مُميّزاً وأيضاً طوّر من أداءه وطريقة عمله، ومن هنا بدأت رحلته في التحضير لدراسة الماجستير ودراسة التقنيات التكنولوجيّة في التصميم والإظهار والبحث فيها.
وخلال أول سنوات دراسته في الماجستير وضمن مادّة التصميم المعماري قام بالتصميم المعماري لشركة " Graphic Design " بمدينة بانكوك في تايلاند وفاز التصميم بالجائزة الأولى.
استمرت دراسة الماجسيتر من عام 2008 وحتى عام 2011 والذي ناقش فيها رسالة الماجستير والذي كان عنوان المشروع " تصميم مركز السليفوم للإتصالات بمدينة بنغازي – ليبيا" والذي وافق أحداث ثورة فبراير الليبيّة آنذاك والذي سببت طبعاً الإحباط والتفكير والخوف لدى الكثير ويعبّر عن ذلك م.حسام فيقول : " كان الوضع في ليبيا صعب جداً خاصة ما نسمعه عن الأقارب والأصدقاء وما يحدث من هُناك من حرب وقتل ودمار والذي بطبيعة الحال يضعف القوى ويحبط الهمّة ولكن ما عملت عليه هو أن أفضل خدمة يمكن أن أقدمها لبلادي في هذه الظروف هو أن ينجح هذا المشروع خاصّة أن المشروع تم دفع عليه الكثير من الأموال من قبل الدولة الليبية حينها"
وتخرّج حينها من جامعة CUA- Washington DC والذي تحصل فيها على أربع جوائز HENERY ADAMS في مجال التصميم المعماري، ثم جائزة John Edward Dundin ثم جائزة Technology in Design and Presentation award و جائزة Thesis Calumniating discussion.
يعبّر م.حسام عن حصوله على هذه الجوائز الأربع مقابل تصميمه لمركز السليفوم : "كان حصولي عليهم مفاجئ ورغم عزمي أنّ لا أشارك في حفلة تخرجي بسبب ما كانت تمر بي مدينتي حينها من أحداث الثورة ولكن حصولي على هؤلاء الجوائز والذي رفع اسم ليبيا كان شيء يسعدني ويشعرني أنّي أقدم شيء لبلدي ليبيا وأهلها".
واستمرّ م.حُسام بعد الحصول على رسالة الماجسيتر في التدريب وأيضاً التدريس في الجامعة والعمل الميداني في العديد من الأعمال الهندسيّة المعماريّة منها : النصب التذكاري لضحايا في مدينة فيلادلفيا الأمريكيّة وأيضاً بعض المطاعم والمستشفيات وذلك بمشاركة مهندسين إيطالين وأمريكين . لم يتوقف عمل وإنجازات م.حُسام فقط خارج ليبيا بل كان حريص دائماً وشغوف بتقديم أعمال وتصميم تخدّم الإرث المعماري والثقافي بليبيا عامّة
وبمدينة بنغازي خاصّة ولذلك كان دائم التواصل مع الشركات الهندسية في ليبيا وطلبة الجامعات لمدّهم بالمعلومات والمساعدة وأيضاً العمل سويّاً .
أحد هذه المشاريع الشهيرة هو مشروع "مكتبة كتدرائية بنغازي" والذي تم وضع فكرة لتحويلها من مبنى مهجور وقديم إلى مكتبة بنفس التصميم المعماري للكتدرائية ولكن بشكل عصري وجذّاب لا يُغيّر ملامحها الأساسيّة مع العلم بأنّ المكتبة تحتوي على الكتب القيّمة والأرثيّة، حيث وبتواصل شركة الصرح للأعمال الهندسية بمدينة بنغازي مع م.حُسام وضمن مشاريع لجنة الإستقرار بالمدينة بعد حرب المدينة بإعادة تصميم الكتدرائية بشكل جديد.
وبحكم عضوية م.حُسام في الجمعية الأمريكية للمهندسين المعماريين والتي تقيم سنوياً مسابقة في التصميم والإظهار المعماري، وبالفعل شارك في المسابقة بتصميم الكتدرائية وقد فازّ بجائزة التميّز في الإظهار المعماري من الجمعية.
وبذلك نختم لقاءنا الشيق والطويل مع المُهندس المعماري المتميّز حُسام الخرّاز ابن مدينة بنغازي العريقة والذي لا يحتاج إلى لقاء واحد فقط، بل إلى لقاءات عدّة ومقالات كثيرة لما لديه من خبرة ومعلومات وطموحات نفتخر بها بل وتحفّز الشباب للعمل وللسعي وراء الحُلم وتحقيق النجاح.
ونحن في أسرة منصّة (الواو ليبيا) سُعداء جداً ويشرفنا أن كان معنا المهندس حُسام في هذا اللقاء الشيق والممتع .