رواية لغز بربروسا وكنزنا المفقود

 

جميل أن ترى كتاب يجعلك تعيش معه كل لحظاته باستمتاع دون مللٍ أو إثارة وهميّة، وبهذا المبدأ سار نهج الكاتب الفذّ "جهاد التُّرباني" في روايته الأولى.

أبطال هذه الرواية "نضال" خبير لغة الرموز الفلسطيني، وصديقه المغربي ذو الذاكرة القويّة "عبد العزيز"، حيث تبدأ أحداث الرواية بوصول بريد لـ "عبد العزيز" على هيئة لغز وشيفرة صعبة، ممّا يستدعي التواصل مع صديقه الخبير "نضال" ليبدأوا مع بعضهما رحلة ماتعة في حل "لغز بربروسا".

الرواية تميّزت بالسّرد الجميل، وبالمعلومات التاريخيّة الرائعة عن التاريخ الإسلامي العظيم، ففي الرواية سوف تتعرّف على أول أسطول بحري إسلامي في التاريخ، وستلتقي بالقائد العظيم "خير الدين بربروسا" وبأخيه وبكثير من العُظماء. سيبحر بك البحّار "بربروسا" إلى المتحف البحري في اسطنبول، من ثمّ إلى طولون في فرنسا، ليقف بك قليلاً في عاصمته "الجزائر"، ويأخذك في زيارة إلى ساحة بابا عروج، ثمّ يأخذك سريعاً إلى برج الجماجم في جزيرة جربة التونسية، ثمّ السيّر بين أزقة قصبة الوداية الضيقة في العاصمة المغربيّة الرباط.

تعد رواية لغز بربروسا 101 من بين أهم الكتب التاريخية التي يستعرض فيها الكاتب أعظم أسرار التاريخ الإسلامي، ويكشف الحقائق التي غفل عنها الكثيرين عن البطل الإسلامي خير الدين بربروسا، وذلك من خلال ألغاز قدمها بطريقة رائعة ما جعلها تختلف عن أي رواية تاريخية أخرى، بحيث تجعل القارئ يستمتع بقراءتها سواء كان يهتم بالتاريخ أم لا. فمن خلال فك تلك الشفرات والرموز، يستذكر القارئ المهتم بالتاريخ معلوماته السابقة، أما غير المهتم فترسخ في ذاكرته هذه المعلومات فقط بمجرد رؤية إحدى هذه الرموز..

ومن أبرز الأحداث التي ذكرها الكاتب وتطرق إليها هي:

• حكاية القائد المسلم بربروسا ذو الأصول الألبانية بعد قيامه بعمليات إبحار شبه مستحيلة إلى الأندلس، أنقذ من خلالها عشرات الآلاف من المسلمين واليهود من محاكم التفتيش المرعبة.

• بعد انهزام فرنسا في "معركة بافيا" عام " 152م" وأسر ملكها "فرانسوا الأول"، تمت الاستغاثة والاستنجاد من خليفة المسلمين "سليمان القانوني"، والذي بعث بدوره إلى القائد بربروسا ليتولى عملية الإنقاذ بأسطول عثماني ضخم، وفعلاً تم تحريرها من أسطول مشترك مكوّن من أساطيل "دوقية سافوي"، وتم إنشاء قاعدة عسكرية في ميناء "طولون" لانطلاق الأساطيل العثمانية لصد البحرية الإسبانية والإيطالية.

• اتخاذ الجزائر مقر لأقوى أسطول بحري في العالم، وقبل ذلك فقد كان القائد بربروسا والياً عليها ويعتبر رمز من رموزها ومؤسسيها.

• بناء سفينة برونزية في قلب مدينة "جيجل" الجزائرية شبيهة لسفينة الأخوين عروج وخير الدين بربروسا وذلك تخليدًا لذكراهما وردًا لجميلهما في إنقاذ المدينة من أيدي الغزاة الصليبيين، وسميت بساحة " بابا عروج".

ستزوّدك الروايّة بالكثير من المعلومات التاريخيّة وستعرّج أيضاً على الأماكن الجغرافيّة والمعلومات الثقافيّة، وفيها الكثير عن لغة الرموز والشيفرات، عن معنى كلمة "واي فاي" وغربال إراتوستينس، والرقم 101، ومتتالية فيبوناتشي، والكثير الكثير.

عندما قرأت أولى صفحات الراوية وجدت شبيهاً للحبكة البوليسية التي يستخدمها الكاتب الأمريكي "دان براون" في روايته، وبما أنّي كنت قارئاً لكل روايات دان براون السابقة، فوجدت هذا التشابه الكبير بينهم بأسلوبين جميلين يملأها التشويق والإثارة والمعلومات اللطيفة، لكن الجميل أنّ هذه الرواية تتحدّث عن تاريخنا الإسلامي والعربي فـ "نضال" هو "روربت لانغدون" في روايات دان براون، أمّا جهاد الترباني فنستطيع أن نطلق عليه القول بأنه "دان براون العرب"!

أنصحكم بها سوف تستمتعون كثيراً، وتتعرفون على تاريخنا المُشرق المطموس وكنزنا المفقود.

مقالات ذات صلة