على غير العادة، أجلس الليلة أمام شاشة الكمبيوتر ساكنة، أحدق في عنوان المقال، فهي كلمات بسيطة ولكن كل كلمة منها تحمل ذكريات وآلام وقصص كثيرة، قد تحطم بثقلها الجهاز الذي أمامي.
تتسارع الأفكار في رأسي، لدي الكثير لأحكيه، ولكني ثابتة، إلا أناملي التي ترجف فوق لوحة " الكيبورد".
رغم شخصيتي الجوزائية العشوائية، سأحاول الليلة تنظيم أفكاري، وترتيب القصة لتليق بك، ولتقربك مني أكثر، لهذا سوف أبدأ بالاكتئاب.
حشرة داخل رأسي..
لم أكن حقاً من الشخصيات السلبية، أو الدرامية، كانت حياتي منذ الطفولة سلسة ورائعة، سافرت لأماكن عدة، وتعلمت الكثير، وكنت أمتاز بذكاء مميز منذ الصغر، وكنت أفهم أشياء ربما كان من الخطأ أن تنجح طفلة في السابعة من عمرها في تحليلها، ولكن في المجمل عشت طفولة جميلة لا بأس بها.
منذ سنوات ليست ببعيدة، عشت مع عائلتي تجربة كانت كفيلة بأن تقضي على كل فرد منا، لن أخبركم عن هذه القصة تحديداً فهي ليست قصتي لأرو يها، ما حدث كان كثيراً على قلبي، ولكنني رفضت الانهيار، بل كانت ابتسامتي تشرق في وجه القريب والغريب لسنوات.
اكتشفت لاحقاً أنني كنت من الشخصيات التي لا يظهر عليها حقاً أي ردود أفعال أثناء مواجهة مشكلة ما أو لحظة تلقي الصدمة، ولكنهم ينهارون تماماً بعد انتهاء كل شيء، وهذا ما حدث معي.
بعد سنوات قليلة من تلك الأزمة، وبعد انتهائها تقريباً، بدأت مشاعر الحزن والصدمة في ملاحقتي، في الوقت الذي اجتاز فيه الجميع ما حدث.
كانت رؤيتهم سعداء يتحدثون وكأن شيئاً لم يحدث، تؤلمني. كنت أتألم أكثر من هذه المشاعر السوداء التي سيطرت على قلبي. بعد أشهر من الانهيارات المفاجئة، وإظهار ضعف لم أعتد عليه، تحولت إلى فتاة أخرى، حزينة، كئيبة المظهر، وقليلة الكلام. لا أنسى أبداً صريخ بعض المعارف القديمة في وجهي، وهم يطلبون مني أن أبتسم و" أفرفش".
لا أحد يعلم قسوة وبرودة الاكتئاب، إلا من مر به. وإن كانت إصابتي به بسيطة للغاية، إلا أنها كانت مؤلمة. أن تنام لساعات طويلة، أو لا تنام لأيام، أن تشعر بالرغبة في النهوض من السرير ولكنك عاجز تماماً، أن تجلد ذاتك على وقت جميل قضيته برفقة الأصدقاء، أن ترى نظرة الملل والتعب من سماع القصة ذاتها كل مرة في عيون من وثقت بهم.
من مذكراتي:
لا أفهم لماذا يمر الوقت سريعاً هكذا؟ ذاكرتي التي لا تمحى غيّرتني كثيراً، وحوّلتني لامرأة عجوز، أو فتاة شابة ترتدي ثوب امرأة كانت قد رحلت منذ زمن بعيد.
يبتسم البعض وهو يقول العبارة المعتادة " أنت صغيرة جداً لم تشهدي شيئاً من الحياة بعد". آه لو يعلمون كم عشت في هذه
"الفترة القصيرة" كم جرحت روحي...وكم أرهقت قلبي.
لم يكن الوقت صديقي أبداً، فلم يكن لدي الوقت الكافي حتى للحزن! كان عليّ المضيّ قدماً، وأن أحرق الصفحة لأبدأ جديدة على الفور...بدون وداع أو حداد.
كم تمنيت قسطاً قليلاً من الحزن، أو الألم...قبل أن أتحوّل إلى روح قُتلت أو ماتت قبل أن تنهي مهامها لتظل عالقة بين
الحياة والموت. اليُتم له أنواع أيضاً، وأنا اليوم يتيمة شبابي، يتيمة الوطن والحب...
متعبة أنا هذه الأيام، تعبت من المقاومة، من توديع الوجوه التي اعتاد قلبي على وجودها في حياتي، قبل أن يحين موعد رحيلها.
وسط الأحاديث والقهقهات في جو تفوح منه رائحة من النفاق المعطّر بأغلى الماركات ولكنها لا تغطي تلك الرائحة النتنة المنبعثة من قلوبهم... يعتقد الكل أنه الضحية هنا والآخرون يسعون لتحطيمه. فالكل ظالم إلا هو...أجد نفسي وحيدة بين زحام الفساتين الراقية وآخر صيحات الموضة...أشبههم ولكنني لست مثلهم، بل أكاد لا أميز نفسي بينهم لولا وجود دقات القلب تلك وذلك العقل المنغلق على تفتحه...فلا أشبههم.
الاكتئاب من أخطر الأمراض التي قد تصيب الإنسان، وقد تؤدي في حالات كثيرة إلى مغادرة المصاب. سأكتفي بهذا القدر من المعلومات، لا أرغب حقاً في الغوص مجدداً في ذلك النفق، فلننتقل إلى السعادة والسر...
عودتي:
في بداية 2021، عدت إلى البلد الذي أقيم فيه، بعد شفائي من فيروس كورونا، وإصابتي بنوع جديد من الاكتئاب لم أعهده من قبل. كما ذكرت سابقاً كانت العودة بمثابة الهزيمة، ولكن وجودي بين أفراد عائلتي غمرني بالأمان والحب. قضيت العديد من الأيام في غرفتي دون التحدث مع أحد، شعرت عائلتي بخطورة الأمر، ونصحني بعض الأصدقاء برؤية أحد من المختصين، ولكني رفضت، فلم أكترث حقاً بأي شيء!
في جلسة أخرى سأحدثكم عما حدث في تلك الأيام، أما اليوم فسأكتفي بهذه القصة الصغيرة.
في يوم من الأيام، لاحظت على سرير أختي غلاف كتاب مميز بعنوان أكثر تميزاً، كان عنوان الكتاب "السحر"، لمؤلفة كتب قانون الجذب والطاقة، روندا بايرن. سألت أختي عن الكتاب، قالت إنها بدأت في قراءته ولكنها لم تنته منه، وبطبيعة الحال سرقته أنا منها.
يتحدث كتاب السحر عن قوة كلمة واحدة كفيلة بتغيير كل شيء، وهي كلمة شكراً...والشعور بالامتنان الحقيقي لما يوجد لدينا في الحياة.
أخذني هذا الكتاب في رحلة لمدة شهر كامل، غير فيها حياتي بالكامل، حيث أعطاني كل يوم تمرين مختلف، لشعور وطلب مختلف عن اليوم السابق. كان أحد التمارين اليومية يتضمن كتابة عشرة نِعَم في حياتي كل صباح لشهر كامل، وكنت بالفعل أعُدّ النعم التي أنعم الله علي بها، وكانت هذه النعم تزداد بشكل مريب وغريب.
طالبني الكتاب في يوم من الأيام، بكتابة رغبة من رغباتي وأن أتخيل أنها بين يدي بالفعل وأن أشكر الله على تلبية طلبي، وأن أملأ قلبي بالامتنان. وبالفعل قمت بتطبيق التمرين وشكرت الله لحل مشكلة مالية كانت تزعجني، لم ينته اليوم قبل أن تحل هذه المشكلة بأعجوبة لم أصدقها.
مارست سحر الامتنان لمدة ثلاثين يوماً، عدت خلالها إلى ممارسة اليوغا، تحسنت بعض العلاقات التي كانت متوترة في حياتي، خسرت أكثر من عشرة كغم من وزني، فتحت أمامي أبواب العمل والرزق، سددت الكثير من الديون المالية والنفسية، وتخلصت من الاكتئاب...إلى الأبد.
نحن حقاً نتلقى ما نطلبه من الكون يا أصدقائي، ونحن من نتحكم في حياتنا وما نشعر به، مشاعرنا هي الوقود الذي يحرك مصيرنا، أما كلمة شكراً فهي من أقوى الكلمات في التاريخ.
أينما كنت، ومهما كانت مشاعرك الحالية، تأمّل حقاً فيما لديك وعُدّ النِعم في حياتك وقل: شكراً شكراً شكراً على كل هذه النعم. صدّق ما تقوله، ثم استعد السيطرة على حياتك، مشاعرك، وأفكارك، فأنت حقاً ما تفكر وما تشعر.
أنا اليوم سعيدة للغاية، ممتنة لما أملك، وانتظر ما سيحدث، فكلي ثقة بأنه سيكون في قمة الروعة.
شكراً لله، شكرا للكون، شكراً لكم، وشكراً لهم.