ثقافة
20.04.22

مجاهدو الحب والأصالة: آخر معاقل الصناعات التقليدية في ليبيا

الصناعات التقليدية في ليبيا إرث وطني ثقيل، حيث تعد الصناعة اليدوية التي تنوعت وتميزت عبر نقلها لثقافة وموروث ليبيا عبر العصور ملامح هوية وطنية ضاربة القدم. فكانت هذه الصناعة التي انتقلت من جيل إلى جيل، قد حملت إلينا من الأسلاف صوراً من حياتهم اليومية، وصراعاتهم، وفنونهم، وملامح الأفراح والأتراح. فكل صناعة تروي قصة تاريخ كامن في المصنوعات ذاتها، وكل المصنوعات تحكي بلسان صامت حكاية حاضرة تنازع حتى المنتهى؛ لئلا تتلاشى وتذوب وسط موجات الحداثة التي يُبشر بها اقتصاد السوق المفتوح، من خلال فتوحات شركاتها ومصانعها، التي تسعى لصبغ كل قديم وعتيق بلون رمادي واحد هو لون المنتجات التي صُنعت لتبْلى، بل هو لون ثقافة الاستهلاك.
وبينما تسعى بعض الدول لخوض هذه الحرب الثقافية عن وعي وعزيمة؛ فإن الصناعات التقليدية في ليبيا تنازع وحدها من أجل النجاة.

ثروة غير مُستغلة:

يعد التراث الثقافي وهو من أهم أسباب انتعاش السياحة الثقافية في الدول السياحية التي تحتل مصاف الوجهات السياحية في العالم بأسره؛ ثروة ثمينة في حد ذاتها. حيث تنفق الدول الرائدة في المجال مبالغ معتبرة من أجل استدامة الحرف والصناعات التقليدية، بينما تعد هذه الثروة مُهملة وغير مستغلة تماماً. ونافل عن القول إن الدول التي تعتمد في مدخولها على السياحة قد فهمت المعادلة، فبينما تمثل عائدات السياحة في تونس 14% من الناتج المحلي، فإن الصناعات التقليدية في تونس تنتج حوالي 4% من العائدات المحلية، فإن عائدات السياحة بأكملها في ليبيا بلغت في آخر رقم رسمي منشور حوالي 0.2% من الناتج المحلى الإجمالي، وذلك خلال عهد النظام السابق حيث كان قطاع السياحة نشطاً إلى حد ما.

وبينما تشترك تونس في كثير من الصناعات التقليدية مع ليبيا؛ فإن ليبيا ظلت تعتمد في على النفط بشكل أساسي، حيث بلغت عائدات ليبيا النفطية عام 2014 حوالي 90% من الصادرات حسب تقرير مصرف ليبيا المركزي،[1] وهي مصدر الإنفاق الرئيس في البلاد. ويذكر في التقرير ذاته أن المصرف الريفي منح قروضاً للحرفيين بقيمة 99.9 مليون دينار، فإن الإنفاق على الصناعات الثقافية وعلى السياحة الثقافية في ليبيا يظل ضعيفاً جداً، لاسيما مقارنة بتاريخ البلاد العريق وثراءه وتنوعه الآسر.

صنعة اليدين، ولا مال الدولة والراتب؟

مما لا شك فيه أن ازدهار القطاع النفطي كان له أعظم الأثر على مصير الصناعات التقليدية في ليبيا، فينما كان القطاع العام في ليبيا يوظف حوالي مليونين ونصف من السكان، بنسبة 37% من إجمالي تعداد البلاد السكاني. وأدى اعتماد الدولة على الصادرات النفطية وإهمال القطاعات الأخرى؛ تحول غالبية ممارسي الحرف والصناعات التقليدية إلى الاعتماد في معيشتهم على  راتب الدولة وإهمال حرفهم وأشغالهم اليدوية. فإن الأزمات المتكررة التي عانى منها الليبيون طيلة السنوات السابقة مثل: غياب أو شح السيولة النقدية، وغلاء المعيشة، وصعوبة الظروف الاقتصادية إلى عودة جزء كبير منهم إلى حرفهم ومهنهم اليدوية، حيث نشطت منظمات مجتمع مدني كثيرة في مجال دعم وتشجيع الصناعات التقليدية، ودعم النساء اللاتي يشكلن غالبية منتجي الصناعات التقليدية في ليبيا اليوم من خلال إقامة المعارض، والتشجيع على العودة للثقافة والتراث، والاحتفاء بالموروث الليبي الغني.

وهنا يذكرنا هذا الدور الجميل في إحياء الموروث الثقافي من خلال تشجيع الحرف والمهن الموروثة من الأجداد بدور مدرسة الفنون والصنائع التي تأسست 1895 بجهود أهلية خالصة، وكان لها دور كبير في الحفاظ على الموروث الثقافي والفني للبلاد.

Libyan Traditional & Handmade crafts

إذا لم تكن هناك حاجة، اخلق الحاجة:

في حين يرى كثيرون من المهتمين والفاعلين في مجال الصناعات التقليدية أن وضع الصناعات السعفية وصناعات النسيج والجلد جيداً نسبياً لجهود الليبيين في إعادة إحياء الموروث والثقافة، فإن هناك على الجانب الآخر صناعات أخرى تظل أكثر عرضة للاندثار مثل: صناعات الطين والفسيفساء والفضة والنحاس والسيوف والخناجر والحلي وغيرها. وحتى وإن ظلت هذه الصناعات حية في بعض المناطق، إلا أن الاقبال عليها قلّ كثيراً، لأن الطقوس التي ترتبط بها الصناعة توشك على الاندثار.

ومن هنا ليس ثمة شك بأن التشجيع على العودة للتراث الأصيل، وإحياء الطقوس التراثية في المناسبات، والعودة للطابع العمراني الجميل يمكن أن يحيي ما يوشك على الموت. وهذا ما يمكن أن يبرز أهمية دور الإعلام في الاحتفاء بالتنوع، ودور مصممي الأزياء والعمارة والفنانين وكافة المبدعين في تجديد القديم ليعود حياً في قلوبنا وفي بيوتنا وفي حياتنا اليومية من جديد.

ومما لا جدال فيه أن دور الدولة وضعف الإنفاق قد أثر بشكل هائل على الصناعات التقليدية، وبينما يكافح المجتمع الليبي من أجل الحفاظ على موروثه، فإن المنتوج التقليدي الليبي يواجه الكساد في ظل عدم وجود سياحة نشطة. وبهذا الصدد، يلقي جلّ الحرفيين والمهنيين والنساء المعتمدات في دخلهن على الصناعات التقليدية العتاب واللوم على وزارة السياحة والصناعات التقليدية، لغياب دورها، فإن النشطاء والمهتمين بالمجال يدعون إلى دعم الجهود المحلية.

ويعتقد غالبية العاملين في المجال أن التسويق الذكي هو الفيصل، فمن جانب فإن المنتوج الليبي يظل ذا قيمة منخفضة مقارنة بمنتجات دول أخرى؛ فهو من جانب آخر ذا جودة عالية. كما أن عدم افتتاح معاهد لتعليم هذه الصناعات يهدد الموروث الليبي بكامله، خاصة في ظل هيمنة المنتجات المستوردة على السوق الليبي.

 

المرأة وارثة الصناعات التقليدية:

يقال بأن المرأة هي التي تحفظ تماسك الأسر والمجتمع، وحين نتحدث عن الصناعات التقليدية فإن المرأة الليبية من كافة الإثنيات/الأعراق والمناطق، خاصة المناطق الصحراوية والقرى التي تعدّ أشرس المدافعات عن الصناعات التقليدية في ليبيا، حيث تستمر النساء في استثمار هذا الإرث وتجديده سواء من خلال نقله وتعليمه للأجيال الجديدة، أو من خلال استخدامه كمورد رزق يقمن به أود أسرهن، وبخاصة في الأسر ذات الدخل المحدود، والتي ليس لها معيل.

1 / 3

وبينما لا يجني "الصنايعية والحرفيين" في ليبيا من عملهم ما يكفي لتأمين قوت عائلاتهم، لارتفاع أسعار المواد الأولية، لمنافسة البضائع المستوردة كما في مجال النسيج والأزياء التراثية منخفضة الجودة ومنخفضة الثمن. ولا يستثنى من ذلك صانعي الأردية أو الحلي أو الأدوات التقليدية المستخدمة الأفراح وكافة صنوف الصناعات التقليدية، إلا أن هناك من يعمل في مجال الصناعات التقليدية من أجل المتعة الخالصة، ومن أجل الحب والإيمان، ومن أجل إنقاذ هذه الثروة الشعبية والوطنية من الاندثار، وانتشال الإرث الوطني العريق من براثن النسيان، وهذا ما يجعل هذه الحرب جديرة بأن تخاض، حسب أحد العاملين في المجال.


  • المصادر: ويكيبديا/تقرير ديوان المحاسبة عام 2019/تقرير عن دائرة المحاسبات التونسية.

 


[1] https://cbl.gov.ly/uploads/2016/03/%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%82%D8%B1%D9%8A%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%86%D9%88%D9%8A2014.pdf

مقالات ذات صلة