ثقافة
26.07.21

محتوى على محتوى يفرق: ما الذي يميز صانع المحتوى عن غيره من الصناع؟

في وقت أصبحت فيه وظيفة صناعة المُحتوى غاية ومهنة يطمح لتمرّسها الفئة الشبابية لما فيها من استخراج للطاقات الإبداعية وتجسيد للخيال واختزاله في مُحتوى جذّاب يستهدف جمهوره بالشكل السليم، مازال الصّانع يُحاول أن يستكشف السّر في صنع مُحتوى ممتاز، متكامل، قريب للناس ويحقّق أهدافه من أرباح أو شُهرة أو توعية على نطاق واسع، الأمر الذي يجعلنا نتساءل دائمًا عما يجعل قطعة مُحتوى تنجح وأخرى لا تُحقق أهدافها؟ ماهي تلك المهارة التّي تدفع المُحتوى لتحقيق ما يهدف له؟ وما الذي يجعل مُحتوى ما يتميّز عن غيره من المُحتويات؟

المُحتوى يُحاكي صاحبه، أي بالمُحتوى نحن نرى ما في جوف الصّانع، لأن المُحتوى هو عُصارة أفكار وخلاصة عصف ذهني عميق، وهذه الخلاصة شاء الصّانع أم لا ستتطبّع بطباعه وتظهر بلمسته الخاصّة، وبهذا تختلف المُحتويات وتُصبح أكثر تنوّعًا من ناحية الأفكار وطرق عرض هذه الأفكار وبذلك تُصنع الفروقات ويتميّز احدها عن غيره.

حتّى نُصبح صنّاع مُحتوى مُميّزين علينا أولًا أن نتأكد من كوننا صُناع أفكــار ولدينا كامل القدرة الإبداعية التّي تُمكّننا من ممارسة الإبداع دون التعرّض لإجهاد كبير في عملية توليد الأفكار وعصف أذهاننا، لا شك أن هذه المواقف مُحتملة الحدوث، ولكن ما إن حدثت وانت لا تملك من الوقت ما يكفي لإنتاج فكرة سيزداد الثقل والضغط وتُصبح العملية شديدة التعقيد ومُجهدة للذهن.. ويُمكن تلخيص شخصية صانع المُحتوى المُتميّز في هذه الصفات:

الشخصية المُنصتة: تلك الشخصيّة التي تُنصت لكل ما يجوب من حولها وتستمع لكل ما يحدث ولا تفوّت فرصة التعرّف على معلومة جديدة أو حدث عالمي يكتسح أحاديث الناس ويغزو عُقولهم فـ تُنصت وتُنصت لتصبح قادرة حتى تحديد أبرز النقاط التي يتحدّث عنها الشّارع والعالم، وفي ذلك يكمن ذكاء الإنصات، لأن مواكبة العالم أثناء صنع المُحتوى تُمكّنك من بناء جسر يُقرّبك للناس.

الشخصية القارئة: وهي الشخصيّة المُحبة للقراءة والمُطالعة والتي تمتلك في مخزونها من المصطلحات ما يُعبّر عمّا في داخلها بانسيابية وسلاسة، فالشخصية القارئة قادرة على ترتيب مُصطلحاتها لتكوين جُمل تعبر عن أفكارها وسرد هذه الأفكار بشفافية وبلاغة تامّة.. هذه الصفة تُساعد الصّانع في تقييم نفسه من الناحية اللغويّة - وهو جانب بالغ الأهمية عند كتابة الأفكار وصياغتها في نص مُتقن.

التفكير النقدي: من نقاط قوّة صانع المُحتوى المميّز هو انّه قادر على أن يعرف مواطن الضعف لديه، تلك الهفوات التي قد يتعرّف عليها الصانع بنفسه من خلال تجاربه الواسعة والمتكرّرة في المجال، الشخص المُبدع والصانع بصفة خاصة يطمح للمثالية.. فتتعلم هذه الشخصية عبر الوقت أن تدرس أفكارها ونصوصها وتستخرج نقاط ضعفها التي قد تؤثّر سلبًا على أعمالها وتحاول دائمًا أن تحوّل هذه النقاط من ضعف إلى مصدر قوّة.

الشخصية الذكية: أذكى الصنّاع هُم من يستطيعون أن يتقمّصوا دور المُتلقّي فيفهمون رغباته، ويفكّرون كما يفكر القارئ فلا يعرضون أفكارهم دون دراسة لتأثير هذه الأفكار وهذه المصطلحات المُختارة على الشخص المُتلقي والمُتابع، ما يجعله يختار المُصطلحات التي تُناسب القارئ، ويتحدّث بالطريقة التي يٌفضلها المُتلقّي، دون أن يخرج عن الهامش وينسى الصوت الأساسي الذي يتحدّث به، صوت الهوية الأساسية أو صوت المؤسسة.

الشخصية البسيطة: التبسيط لا التعقيد، معانٍ كثيرة في أحداث قليلة، هذا ما يُميّز الشخصية البسيطة، حيث ان هذه الشخصية تُلخص أقوى الأفكار وأكثرها تأثيرًا في قالب مُبسط، شخصية لا تحبّذ كثرة الضجيج وبعثرة الكلمات وعشوائية الحديث، فأفكار الصّانع المُميز تمر ضيفًا غير ثقيل على عقولنا وتشق طريقها بسهولة وبساطة، فيفهمها القارئ ويندهش لمعانيها الكثيرة المُخبئة في سطورها القليلة.

كُل إناء بما فيه ينضح، وكُل صانع مُحتوى بما فيه يتأثر مُحتواه، هذه هي النظريّة التي توصّلت لاستنتاجها من خلال رحلتي المهنية في مجال صناعة المُحتوى، كُلما كُنت سخيًا كريمًا مع نفسك في حُب التعلّم والتطوّر، كُنت لمُحتواك مِعطاء، فلا حدود للتعلّم واستكشاف الذات في المجال الإبداعي، واستكشافك لنفسك وتطويرها يؤثّر إيجابًا على ما تقدّم من أفكــار إبداعية، وتذكّر دائمًا أن مُحتوى عن مُحتوى يفرق، وان الفارق الوحيد الذي يفصل بين المُحتوى الجيّد والمُحتوى الممتاز ويُميّز مُحتوى عن غيره هو انت وما تحمل في ذهنك.

مقالات ذات صلة