المقدمة
فن الملهاة، أو الكوميديا، في بدايته انبثق عن أصل ديني عند اليونانيين، فتطور عبر الزمن ليتطرق إلى جوانب سياسية واجتماعية ليتعدى كونه تمضية للوقت بشكل مرح فحسب، و تفرع لأنواع كثيرة القصصية والرومنسية والسوداء منها.
ما هي الكوميديا السوداء؟
توجد تعريفات عدة لا نستطيع ذكرها جميعا فمثلًا يعرفها البعض على أنها أسلوب أدبي صعب يعتمد على أن يؤلمك الحدث لدرجة الضحك، يدفعك في بعض الأحيان للسخرية من آلامك. ويعرفه البعض الآخر انه أسلوب أدبي جريء لتعريف الواقع، وفلسفة إنسانية نقدية ساخرة.
الفرق الجوهري بينها وبين الأنواع الأخرى للكوميديا أن الأنواع الأخرى تكون بها المشاهد المضحكة واضحة وصريحة، ولا تحتاج أن تعيد التفكير مرتين لتضحك أم لا، أما فالسوداء قد يصعب عليك تحديد مواضع الضحك لتشابكها مع الجانب الدرامي القاتم للموضوع المطروح، فتطلق أحيانًا الضحكات لعدم شعورك بالراحة أو من فرط ما شعرت بالألم.
أما عن مواضيعها فهي تتناول بشكل رئيسي مواضيع من الصعب وأحيانًا حتى من المحرم الخوض فيها مثل: المشاكل الاجتماعية، الموت، العنف، الإرهاب، الحروب، المرض، المخدرات وغيرها.
بداية ظهورها
هنا سنتناول شقين لبداية ظهورها:
الظهور الأدبي:
أول ظهور أدبي مسجل لها كان على يد الروائي الايرلندي "جوناثان سويفت" في القرن الثامن عشر في رواية حملت اسم "الاقتراح المتواضع" عمل مليء بالمرح حول إنهاء مجاعة عن طريق التهام الأطفال، نسب لجوناثان الفضل كمنشئ للكوميديا السوداء.
الظهور السينمائي:
بدايتها السينمائية كانت بفيلم D.STRANGE LOVE للمخرج الأمريكي ستانلي كوبريك، وعرض الفيلم في عام 1964 الذي كانت تدور قصته حول الحرب النووية وفناء الحياة على الأرض.
نلاحظ مؤخرًا أن الانتاجات السينمائية للكوميديا السوداء في تراجع ملحوظ -وهذا شيء جيد- بسبب نقص الحواجز التي تتطلب الكسر من خلال تناولها بالحديث عنها فالأفلام والمسلسلات.
سماتها وأهدافها
السمات:
أهم سماتها أنها نوع صعب من الكوميديا لأنها تخلط بين الحزين المؤلم والمضحك المثير للسخرية في نفس الوقت، بمعنى ان تتناول مواضيع كئيبة دون أن تأثر أو تنقص من روح الفكاهة فالعمل.
في بعض الأحيان تتسم بالمبالغات للتركيز أكثر على القضايا المطروحة وإبرازها بالشكل الذي يضمن أن تثير اهتمام المتلقي.
تحتوي في كثير من الأحيان على رموز وإيحاءات تحتاج من المتلقي دقة ملاحظة ومخيلة واسعة لفهمها.
الأهداف:
هدفها الرئيسي رفع مستوى الوعي لدى الإنسان بقضاياه المهمة , تعريفه أحيانا بحقوقه المسلوبة وتنبيه عقله لكل ما يدور حوله الذي قد يكون الكثير منا غير منتبه له.
متى تبرز؟
يظهر هذا النوع من الكوميديا بشكل كبير في الأزمات، والحروب، والمجتمعات التي تتعرض لهزّات في القيم الإنسانية، أو تنتهك فيها الحقوق الخاصة أو العامة لأفرادها.
الخاتمة
الكوميديا السوداء تستمد روح الكوميديا من الأجزاء المؤلمة من وجودنا على هذا الكوكب. فنلقي الكثير من النكات السوداء بشكل يومي ربما بغير وعي لنسخر من كل ما يؤلمنا أو يزعجنا، ولا نستطيع تغييره، في محاولة منا للمقاومة والرفض ولو كانت بنكتة. وهنا يجب ذكر الكثير من الدراسات التي أثبتت أن من يميلون للكوميديا السوداء يتميزون بمعدل ذكاء أعلى، ويقاومون المشاعر السلبية بشكل أكثر فاعلية من الذين يزدرونها.
ولكن لا ننسى أيضًا دراسات أخرى تحدثت عن أن الاستعمال المفرط لها ما هو إلا ستارة لمعاناة نفسية عميقة من اضطراب نفسي ما، كالاكتئاب مثلًا. فالنهاية نقول هي ليست مجرد إطلاق نكات فارغة، بل معالجة كوميدية لواق ع محزن.