ثقافة
13.03.24

رحلة في سماء الفن الليبي "قاموسك للتعرف على الموسيقى الليبية"


الموسيقى مرآة الشعوب ومنها يمكنك أن تعرف قدرًا وفيرًا عن الحضارات والثقافات المتنوعة، هي تاريخ الشعوب مُلحنًا، وسيلةٌ لاقتفاء آثار تجاربهم في الحياة، وتعرف ما أرق خواطرهم من تساؤلاتٍ عن الجدوى والوجود..
من خلالها يمكنك أن ترى انعكاسات ما عايشوه من حروبٍ وأزمات، تسمع من خلالها حكاياهم عن الأقدار التي عاشوها يومًا، تعيش فرحهم وتشاركهم أحزانهم، قصص فقدهم وحبهم مترجمةً لأنغامٍ من شأنها أن تبقى حتى بعد زوال أبطالها.
وفي ليبيا لا يختلف الحال كثيرًا إذ أن بلادنا تميزت بتاريخٍ موسيقيٍ خصبٍ ومتباين أثرى حضارتنا المحكية لمن شاء من الناس أن يعرف عنها، فلا وسيلة أكثر بداعةً برأيي يمكن للمرء أن يعرف من خلالها ليبيا بوجهها الناضح بالجمال، وتاريخها الحافل بالأحداث المثيرة والحضارات المتعاقبة، لا وسيلة تحقق ذلك خيرًا من الاطلاع على الموسيقى الليبية، التي لعبت ومازالت تلعب دور دفترٍ لا تنتهي صفحاته، بل وتزداد شساعة بتعاقب الأزمان.
ويحزنني حقيقةً أن الموسيقى الليبية مازالت ليومنا هذا مهضومة الحقوق على الصعيد التسويقي، فيجهل الكثير من الناس مقدار التنوع الفني الذي تحتضنه الموسيقى الليبية المتنوعة ولذا ارتأيت أن آخذكم معي في جولةٍ تعريفية ساحرة نطوف خلالها على أشهر الأطياف الموسيقية المختلفة التي شكلت مجتمعة الشكل النهائي لموسيقى الليبيين، فاربطوا الأحزمة واستعدوا لتحلقوا معنا في رحلةٍ في سماء الألحان لن تخرجوا منها دون قدرٍ متيقن من الدهشة والإعجاب.

المحطة الأولى: المالوف. 

يعتبر فن المالوف الليبي طفلاً هجينًا ولد نتاج امتزاج الموشحات الأندلسية بالألحان الليبية الشعبية، وهو قالب غنائي بسيط لكنه ثريٌ بالألحان والمعاني، ويرجع أصل تسميته إلى كلمة "مألوف" الفصيحة أي ما ألفه الناس من مواقف حياتية، ومشاعر يومية حوروها لكلماتٍ مغناة تعبر عن ذلك ، لكن وفي ليبيا غلب على هذا النوع من الموسيقى طابعٌ اسلامي ركز أغلب المخرجات الموسيقية المندرجة تحت تصنيف "المالوف" على المدائح النبوية التي تتغنى بصفات رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم وسيرته النبوية الحافلة. 

ويعتبر اليوم المالوف الليبي حالة شاعرية يكاد لا يخلوا منها أي مهرجانٍ أو مناسبةٍ دينية سيما تلك التي يطغى عليها الطابع الصوفي. 

ويتميز فن المالوف بثرائه الموسيقي بالمقامات الموسيقية المتباينة التي تصل إلى 14 مقامًا. 

ويعد أشهر الموسيقيين الذين ارتبطوا في الذاكرة الليبية الحديثة الموسيقار العريق حسن عريبي مؤسس فرقة المالوف التي مثلت ليبيا في العديد من المهرجانات الدولية الهامة. 

 

المحطة الثانية: المرسكاوي. 

وعلى نقيض موسيقى المالوف يأتي المرسكاوي بصخبه النابض بالحياة محكايًا واقع الفرد الليبي بكل مضامينها ومن خلالها تغنى الفنانون الليبيين بمشاكل الشباب بين الحب والغضب، الهجرة والوطن، الحزن واللوعة، الشوق والبهجة، بل وحتى أنه ناقش موضوعاتٍ مرتبطةٍ بالواقع السياسي والثقافي في البلاد، بكلماتٍ تحمل كمًّا غير معهود من جرأة الطرح والتقارب الملحوظ من بساطة لغة الشارع الليبي.  

ويحكى أن أصل تسمية المرسكاوي، عائد لكلمة "مرزقاوي" نسبة إلى مدينة مرزق، بينما تقول حكاية أخرى بأنها منسوبةٌ إلى الموريسكيين، وهم مسلموا الأندلس الذي اختاروا البقاء في الأندلس تحت الحكم المسيحي بعد سقوط الحكم الإسلامي للبلاد. 

ويعد من أهم من رواد فن المرسكاوي محمد صدقي وإبراهيم الصافي وعلي الشعالية وعبد الجليل عبد القادر (الهتش)، خديجة الفونشة (وردة الليبية) وعلي الجهاني (علي ويكه) وأحميدة بونقطة. 

إضافةً إلى نجوم المرسكاوي المعاصرين سمير الكردي، وليد التلاوي، ومفتاح امعيلف. 

المحطة الثالثة: الطرب الليبي. 

في معجم لسان العرب عرّف ابن منظور الطرب في الغناء بقوله:" طرب فلان في غنائه تطريبًا إذا رجعّ صوته وزّينه والتطريب في الصوت مدُّهُ وتحسينه وطرّب قراءته مدّد ورّجع وطرب الطائر في صوته." 

وعلى الرغم من عدم وجود تعريف اصطلاحي محدد يعرّف الطرب الموسيقي إلا أن المجتمعات العربية تعرفه بأنه مزيجٌ من الموسيقى الكلاسيكية في أغلب الأحيان ممزوجة بأصواتٍ تتمتع بقدراتٍ غير محدودة في المد والتلحين والتحكم في أصواتها، وفي ليبيا لا يختلف الأمر كثيرًا عن ذلك.. ويعد الطرب الليبي من الأنماط الموسيقية التي لا تشيب فرغم تراجع الإنتاج الموسيقي للأغنيات الطربية مؤخرًا إلا أن المخزون الطربي الذي نملكه من زمن الفن الجميل مازال يحتل مكانةً عزيزة في قوائمنا الموسيقية، حتى إننا قد شهدنا العديد من موجات "تريند" تتغنى بأغنياتٍ طربية قديمة مثل "سمحة" و"يسلم عليك العقل" على مواقع التواصل الإجتماعي التي تشكل انعاكاسًا واضحًا للذوق العام للأجيال اليافعة في ليبيا. 

ويعد من أشهر المطربين الليبيين الفنانين القديرين الراحلين محمد حسن والسيد بو مدين"شادي الجبل" الذين تركوا بصمة في ذاكرة مختلف الأجيال الليبية. 

وإلى هنا سنصل أعزائي القراء لختام مقالتنا هذه لنكتفي فيها بهذا القدر ، ولكن لا تظنوا أن رحلتنا مع الموسيقى الليبية قد انتهت بعد! فما زال أمامنا العديد من المحطات الموسيقية الثرية التي سنشدّ لها الرحال في الجزء الثاني من هذه المقالة.

مقالات ذات صلة