ثقافة
26.10.22

جان جاك روسو: العقد الاجتماعي

 

«يولد الإنسان حرًا، ويوجد الإنسان مقيدًا في كل مكان، وهو يظن أنه سيد الآخرين، وهو يظل عبدًا أكثر منهم».

قد تبدو الأفكار التي يطرحها روسو في هذا الكتاب بديهية إن نظرنا لها بمنظور الإنسان المعاصر، ولكنها لم تكن كذلك في الفترة التي وضع فيها روسو هذا الكتاب، حيث كانت أفكار جريئة وسابقة لعهدها في ذلك الوقت، فقد تمت ملاحقته واضطر للهرب من مكان لآخر واختبأ فترة لدى الفيلسوف الشهير ديڤيد هيوم. حيث تناول الكتاب مجموعة من الأفكار التحررية المناهضة لعدم المساواة وللرق: «تنزل الإنسان عن حريته يعني تنزُّلًا عن صفة الإنسان فيه، وتنزلًا عن الحقوق الإنسانية، وعن واجباتها أيضًا، ولا تعويض يمكن لمن تنزل عن كل شيء، وتنزُّل كهذا يناقض طبيعة الإنسان، ونزع كل حرية من ارادة الإنسان هو نزع كل أدب من أعماله»، ودعا لنشأة النظام الجمهوري، واشتهر كتابه بعد ذلك بأنه إنجيل للثورة الفرنسية -كما وصفه بذلك المؤرخ توماس كارليل- فأغلب الأفكار والمبادئ والحقوق الأساسية التي نادت بها الثورة الفرنسية كانت من وحيه.

من الأفكار التي تناولها أيضًا في كتابه هي وضع الإنسان في حالة الطبيعة -أو حالة اللادولة - التي يضطر فيها الفرد الواحد أن يحمي حقوقه بما لديه من قوة ويقتضيها بذاته، واضطراره إلى الانتقال من حالة الطبيعة إلى تكوين مجتمع متمدن، ذلك نظرًا لأن القوة الواحدة لدى كل فرد قد تعجز أحيانًا على مواجهة الصعوبات التي تنتج عن حالة الطبيعة، فلهذا احتاج الأفراد إلى توحيد هذه القوى بتكوين الجماعات ولجؤوا لتكوين جماعة تحمي حقوق كل فرد من أفرادها، وبهذا نشأ العقد الاجتماعي، "يجب إيجاد شكل لشركة تجير، وتحمي- بجميع القوة المشتركة- شخص كل مشترك وأمواله، وإطاعة كل واحد نفسه فقط، وبقاؤه حرًا كما في الماضي مع اتحاده بالجموع" وهذه الشركة أو هذا الشخص الاعتباري هو الدولة. شروط العقد الاجتماعي لم يتم الاتفاق عليها صراحةً بل بطريقة ضمنية وهي واحدة في كل مكان. وإذا تم نقض هذا العقد بطريقة ممّا يجعله عاجزًا عن تحقيق أهدافه التي وُجد من أجلها، تحلل كل فرد من الأفراد من التزاماتهم التي فرضها عليهم العقد وعادوا مجددًا إلى حالة الطبيعة حيث كل فرد يحمي حقوقه بذاته.

وأيضًا العقد الاجتماعي هو سبب وجود الحاكم فلا يستطيع هذا الأخير نقضه لأنه لا يوجد من دونه: «بما أن الهيئة السياسية، أو السيد، لا ينال كيانه إلا من قُدْس العقد، فإنه لا يستطيع أن يلزم نفسه، حتى نحو الآخر، بشيء ينقض هذا العقد الأولي، وذلك كأن يبيع جزءًا من نفسه أو أن يخضع لسيد آخر، ونقض العهد الذي وُجد بسببه يعني تلاشي نفسه، ومن لا يكون شيئًا لا يُنتج شيئًا».

من الأشياء الجميلة في هذا الكتاب طريقة الصياغة والايجاز، كل فصل من فصوله لا يتجاوز أربعة صفحات.

هذه بعض الاقتباسات التي تستهويني من الكتاب:

«أدى الانتقال من الحال الطبيعية إلى الحال المدنية إلى تغيير في الإنسان جدير بالذكر كثيرًا؛ وذلك بإحلال العدل محل الغريزة في سيره، وبمنح أفعاله أدبًا كان يعوزها سابقًا، وهنالك -فقط- إذ عقب صوت الواجب السطوة الطبيعية، وعقب الحق الشهوة، رأى الإنسان الذي لم ينظر غير نفسه حتى ذلك الحين، اضطراره إلى السير على مبادئ أخرى، وإلى مشاورة عقله قبل الاصغاء إلى أهوائه، وهو -مع حرمانه نفسه في هذه الحال من منافع كثيرة ينالها من الطبيعة- يبلغ من كسب ما هو عظيم منها، وتبلغ أهلياته من الممارسة والنمو، وأفكاره من الاتساع، ومشاعره من الشرف، وروحه من السمو، ما إذا لم يحطه معه سوء استعمال هذه الحال الجديدة في الغالب إلى تحت الحال التي خرج منها وجب عليه أن يبارك، تلك السويعة السعيدة التي انتزعته من ذلك إلى الأبد ».

«سطوة الشهوة وحدها هي العبودية، ولأن إطاعة القانون الذي نُلْزِم به أنفسنا هي الحرية ».

كتاب العقد الإجتماعي من تأليف جان جاك روسو | كتاب مسموع | كتب صوتية

مقالات ذات صلة