ثقافة
02.11.22

حكيم الطليس: عن الرسم بالأبيض والأسود

تشترك الصورة واللوحة باعتبارهما مُنتجًا إنسانيًا، حيث يُعبر أحدهما عن اللحظة بوصفها مجالًا ساكنًا، بينما يعبر الآخر عن اللحظة بوصفها خلقًا وتجديدًا. يقف المصوّر خلف الكاميرا ليلتقط شيئًا ما ربما لم يشاهده أحد من قبل، ويمسك الفنان ريشته ليرسم المشهد كما يراه بعقله، حيث يُغفِل الزاوية التي لا تهمه لصالح الزاوية المعاكسة التي تهمّه بالضرورة، فالفوتوغرافيا هي فن توثيقي في أغلب جوانبه، بينما اللوحة هي مجالٌ نفسيٌ منفصل.

هذه الثنائية «الفوتوغرافيا\ اللوحة» تعمل لصالح الفنان الذي يختار زاويته التي يُفضّل أن يرى العالم من خلالها، يُقدم الفنان هذا الفن للمشاهد الذي بدوره يختار أيضًا الزاوية التي تناسبه، فغالبًا ما لا تربطنا بالفنان أي علاقات معقدة باستثناء عملٍ أو عملينِ يُحدد من خلالهما ما يوجد بداخلنا، كما أن تفسيرنا للفن يختلف باختلاف نظرتنا للحياة، وهذا ما يجعل الفن في الغالب متعدد المعاني وهو ما يجعل الفوتوغرافيا قاصرة إذا ما وُضعت في مقارنة مع الرسم بكل أنواعه «التشكيلي، التعبيري،الكاريكاتوري..» وهذا القصور الذي تتّسم به الفوتوغرافيا كان مُحركًا للفنان الشاب حكيم الطليس، الذي يحاول في أعماله أن يقوم بالربط ما بين وجوه الناس كما يراها في الشارع والصور التي يلتقطها خلسة، ليقوم بعد ذلك بمزجها فنيًا في لوحات يركّز فيها بشكل كامل على الوجوه وتعبيراتها المليئة بالتعب.

1 / 3


الشغف الطفوليّ وكيفيّة بعثه
بدأ حكيم الرسم منذ الطفولة، حين كان يقطن في بلدة إزدو شمال مدينة زليتن، وكان لديه حينها شغف متقطّع جعله يُكوّن علاقة مضطربة مع القلم والورق، توقف عن الرسم في سنين مراهقته، إلا أنه عاد بعد ذلك لاستئناف شغفه عام 2013 في بدايات عقده الثاني، وكان يرسم باستخدام الألوان، إلا أنه اتّجه بعد ذلك بفعل التغيرات السياسية والحروب المتكررة إلى الرسم باستخدام الفحم، فظروف البلاد من كل جوانبها السياسية والاقتصادية جعلت من الفحم أداة محورية بالنسبة إليه.
فهذه الأداة التي كان مُمكنًا من خلالها تصوير الحالة الليبية من خلال لوني الأبيض والأسود فقط كانت خياره الوحيد، وكانت بالنسبة إليه جزء لا يتجزّأ من المعنى الضمنيّ لكل ما يرسمه. ويقول حكيم عن الفحم: «إن الفحم بالنسبة لي له رمزية خاصة بمعزل عن لونه، فالأسود هو مجموع الألوان جميعًا وهو مناسب للتعبير عن كل الانفعالات العميقة، فهو وسيلتي التعبيرية الوحيدة لأنه يستطيع إيصال الغضب والانفعال والدمار والقتل والمعاناة بأفضل طريقة.»
ويضيف: «الفحم في الأساس مادة ميتة، ولكني أحاول أن أصنع من خلاله أعمالًا حية تجسد انفعالاتٍ متعددة كالغضب والتعب والإرهاق والقلق.« حيث تُمثّل هذه الانفعالات الفضاء الحركي لما يقدمه حكيم في كل لوحاته التي يغلب عليها طابع الاهتمام بالوجوه تحديدًا وإهمال بقية الجسد، فالوجوه هي الخازنة للانفعالات وهي العاكسة لها أيضًا، أو كما يقول حكيم: «الوجوه مرآة الناس.»

1 / 4

معرض شخصي يتشكّل
ستحتضن مدينة طرابلس عن طريق دار الفنون أو دار الفقيه حسين المعرض الشخصي الأول للفنان حكيم الطليس نهاية العام الجاري، الذي يعتبره حكيم متأخراً وأنه كان يجب عليه أن يقوم بهذه الخطوة منذ مدة. ويأتي هذا المعرض ضمن مشروعه لعرض لوحاته (القديم منها والجديد) التي يستلهمُ موضوعها الأساسي من التوترات التي يُعاينها في الشارع ويعيشها المواطن الليبي بشكل يومي، ويقول حكيم عن الإلهام ومصدره بالنسبة إليه: «الإنسان هو مصدر الإلهام.»
ويضيف: «أحب التواجد بالأماكن العامة، أحب مشاهدة الناس رغم أني لا أتواصل معهم بالشكل الكافي، إنّ تعابير الوجوه في ذهني تتحوّل تلقائيًا إلى اللونين الأبيض والأسود»، فالفنانون بكل أطيافهم يُربُّون دائمًا ذلك النزوع الداخلي الذي يُميّزهم، ويجعل من فنّهم جزءً لا يتجزأُ من شخصيّاتهم، فكل لوحة تملك قصتها الخاصة وتُعبّر عن معنى منفصل، إلا أن مجموع هذه المعاني مجتمعة هي ما يُكوّن شخصية الفنان ويساهم في تحديد هُويّته، وهو ما يقوله حكيم الطليس حين يتكلّم عن ارتباطه بلوحاته قائلًا: «الرّسم هُوية بالنسبة لي، إنه يحدد ما أشعر به وهو حصيلة لتجربتي في تأمل الشارع والناس.» هذه التجربة التي يعتبرها حصيلة شغفٍ شخصي تقاطع مع الثورة والحروب التي تلتها، فالحراك الفنّي من وجهة نظره غير منظم ويتّسم بالعشوائية، فالموجود على الساحة الفنية في ليبيا لا يتعدّى المحاولات الفردية، التي لا تحظى في الغالب بالدعم والتوجيه الكافي، ويضيف قائلًا: «ليبيا لا تزال بحاجة إلى كثير من الجهد الفنّي والثقافي لأنها -كما يبدو- بلدٌ فقيرٌ فنيًّا.»

مقالات ذات صلة