مرّ "عيد العمال" المنصرم في الأول من مايو على عمال ليبيا برواتب هزيلة وحقوق مسلوبة، بعد أن انهارت شركاتهم وتضررت بشكل كبير، فمن قفز منها كان من الناجين، أما من ظلّ هناك فحاله صار في الحضيض، بعد أن بقي في الشارع، فهذا حال عمال "الشركات المتعثرة والمنسحبة".
بداية تواصلت منصة "الواو ليبيا" مع الأستاذ "ن. ر" بصفته مستشارًا للقضايا العمالية، والذي أوضح لنا الفر ق بين مصطلحي الشركات المتعثرة، والشركات المنسحبة قائلًا: "الشركات المنسحبة هي الشركات الأجنبية العاملة في ليبيا سابقًا، وكان لها عقود داخل ليبيا، والتي بسبب ظروف الحرب في سنة 2011 قررت الانسحاب من ليبيا، مما خلّف عددًا كبيرًا من الموظفين والعمال الليبيين في هذه الشركات بدون أجور، وبالتالي لا يوجد من يدفع لهم مرتباتهم."
"وفي 2011 قامت وزارة العمل في حكومة "عبد الرحيم الكيب" بحصرهم ومحاولة حلّ بعض مشاكلهم، وتعويضهم ببعض الحلول المؤقتة في تلك الفترة، حتى تستقر الأوضاع في الدولة الليبية. كما انضم عمال آخرون بعد أحداث سنة 2014، والتي غادرت فيها عدد من الشركات الأجنبية الأخرى، وتم تسجيل قرابة 37 ألف موظف، ولكن بعد ذلك تم تطبيق قانون لرقم لوطني ليصل الرقم إلى 6 آلاف موظف تقريبًا. ليتم دفع مستحقاتهم بعيدًا عن المادة "38" من قانون الضمان الاجتماعي الذي ينص على أن فاقد الوظيفة لابد من أن تدفع له الدولة حتى يتحصل على وظيفة أخرى، وكانت تُدفع لهم قيمة 450 دينار بعد تخصيص مبلغ من رئاسة الوزراء بحكومة الكيب بشكل مؤقت، أما في سنة 2023 فوصل عددهم تقريبًا إلى 3000 موظف دون عمل."
وأضاف: "أما المتعثرة فهي شركات مملوكة للدولة الليبية، والتي تكون مرتبات موظفيها ودخلها من نتاجها، أو مبيعاتها، أو من تلك الخدمات التي تقدمها، ولكن مع الظروف لم تستطع أن تفي بالتزاماتها، وخصوصًا بعد أحداث سنة 2011، فقد فقدت بعض الشركات مقارها أو تعرضت للتخريب أو تم الاستيلاء على أصولها، أو نهب ممتلكاتها. أما من نجا من كل ذلك فقد طاله الفساد، وعدم التطور، والفشل في مواكبة السوق، وعجز البعض الآخر عن صرف مرتبات ومزايا كادرها الوظيفي الكبير فيها، نتيجة التوظيف العشوائي والمحسوبية. ويوجد حاليًا قرابة 17 ألف موظف في الشركات المتعثرة في إحصائية لسنة 2022، وأغلبها يتبع صندوق الإنماء الاقتصادي والاجتماعي".
شعار رفعه عدد من العاملين والموظفين بالشركات المتعثرة والمنسحبة، والذين وصفوا أوضاعهم ومعاناتهم بأنها كارثة إنسانية، بسبب مماطلة المسؤولين في صرف جميع مرتباتهم السابقة وإيجاد حلول جذرية وعاجلة تنهي هذه الأزمة.
منصة "الواو ليبيا" خلال لقائها مع أحد منسقي حراك "1 يونيو 2023" الأستاذ الهادي الحسيني والذي حدثنا عن الحراك قائلًا: "هذا الحراك كان بعد محاولات عديدة للمطالبة بحقوقنا، والتي هي في الأساس ليست صعبة ولا مستحيلة على دولة مثل ليبيا، ونحن نتحدث عن مرتباتنا وتعديلها وصرفها في موعدها، وعن دفع قيمة الضمان".
كما أضاف الحسيني: "هناك العديد من العمال ينتظرون مرتباتهم كل شهر ويشتكون من تأخرها أحيانًا، أما نحن فبالسنوات، وحتى عندما تأتي فهي لا تكفي لحياة كريمة، ونحن نتحدث عن 450 دينارًا ليبيًا أي 90 دولارًا تقريبًا."
وأكمل: "لك أن تتخيل موظفًا لمدة 20 سنة أو أكثر خارج مكانه عمله يبحث عن رزقه، فهو من الصعب أن يبدأ حياة جديدة، وأغلب زملائي إما في القطاع الخاص أو في مهن بسيطة الدخل لكسب قوت يومهم، وهناك زميلات معنا اتجهن للتوسل بكل آسف، فيما هناك من موظفين لجأ أبناؤهم للتشكيلات المسلحة أو تجارة الممنوعات بحثًا عن الأموال، كما أن هناك بعض حالات الانتحار لضيق الحال".
تحدث الحسيني لنا عن عدد من الشركات كشركة التموين التي كانت تدعم في كبرى شركات الطيران العاملة في ليبيا كالخطوط البريطانية والمصرية والأردنية وغيرها، وأيضًا شركة الإلكترونات "قاريونس" والتي حصلت على امتياز من شركة "فيلبس" الألمانية، والشركة الوطنية للورق التي طبعت الكتاب المدرسي في ليبيا، كلها شركات كبيرة ولها اسمها وبها كوادر ذات كفاءة عالية جدًا، فلماذا تركها هكذا؟
مضيفًا إننا نرفض أن نقول على هذه الشركات متعثرة، بل هي شركات تحتاج قليلًا من الدعم من الدولة، ووقفة جادة لإعادة إحيائها من جديد، فهي شركات متضررة نتيجة بعض الظروف.
كما صرحت المحامية حنان الشريف رئيسة المنظمة الليبية لحقوق الإنسان لمنصة "الواو ليبيا" عن وضعية هؤلاء العمال: "إن الفقر أصبح ينتشر بينهم، فهم لم يستطيعوا الحصول على قوتهم اليومي، ووضعهم الإنساني صعبًا جدًا، ويعملون خارج خدمتهم بطريقة "مهنية".
مضيفة: "إن الاستقرار الأمان يتوفر إذا توفر قوت الشعب وهناك مساواة بين كل فئات الشعب، ونحن كمنظمة داعمين لمطالب هؤلاء العمال، حتى وصولهم لحل لنهائي في نيل حقوقهم المدنية والإنسانية، وضمان الحق في العيش الكريم بين باقي الشعب، ولابد من وجود خطة اقتصادية حقيقة لإنقاذ هؤلاء المظلومين".
في تصريح سابق للنائب بمجلس النواب خليفة الدغاري قال فيه: "إنّ الدولة ملزمة بمعالجة أوضاع العاملين بالشركات المتعثرة، بغض النظر عن أسباب التعثّر فهي تخصّ الدولة، ودفع مرتباتهم لـ 3 أو 6 أشهر إلى حين حلّ الملف. مضيفًا بأن هناك مساعي من حكومة الدبيبة ومجلس النواب لحلحلة هذا الملف قريبًا، بما فيها مشكلة سداد الرسوم الضمانية من بعض الشركات، وهي أحد العوائق التي تواجه هذا الملف."
للرجوع للقانون الليبي فإن هناك مصطلحًا يسمى "فاقد الوظيفة"، ففي قانون العمل بالمادة "72" يقول إن من حق الدولة أو الإدارة العامة تقليص من العمالة الموجودة لديها، ولكن بشروط وهي تشكيل لجنة من وزارة العمل، تقوم بمعاينة أسباب التقليص وأيضا التأكد من صحته، وبعدها تقوم بحصر هؤلاء وجمع بياناتهم وتقوم بدفع مرتباتهم الشهرية كما هي، ووضع أسمائهم لديها.
فالمادة "38" من قانون الضمان الاجتماعي، التي تعني بفاقدي الوظيفة، والمادة 303 لسنة 1988 المعنية بتطبيقه تنصّان على ضرورة تحقيق العدالة الاجتماعية من خلال دفع مرتب الموظف كاملًا بعد فقد وظيفته، وقيام وزارة العمل بالبحث له عن فرصة أخرى بما يتماشى مع مؤهلاته. وإن رفضها، تبحث له مرة ثانية وتخصم من مرتبه 20٪، وإن رفضها تبحث له مرة ثالثة مع خصم 30٪ من مرتبه، وإن رفض مرة أخرى تقوم بتحويل اسمه إلى قوائم الباحثين عن العم ل.