ثقافة
27.02.22

السينما والليبيون: كيف يرانا الآخر في الأفلام؟

  • السينما في ليبيا؟

 مع بداية هذا العام، العام الذي يشكل حاضرنا، والذي في غالبه لابد أن يتصف ببعض الحداثة والتطوير والتصحيح، لأنه من البديهي أن يتعلم الإنسان من أخطائه في الماضي، ولأننا في عصر بدأ فيه الإنسان استيعاب حجم الاختلافات فيما بيننا...فإذا مع دخول شهر يناير، وفي لحظة تصفح فيسبوكية عابرة، شاهدت صورة مؤسفة تحمل خبرًا كان متوقعا في العموم...(الكشيك الأصفر) يهدم "سينما النصر"، الواقعة في مدينة بنغازي!

نعم، هكذا يحدث لموطن وبيت وحُضن فَن السينما. وللإشارة على حجم البؤس في هذا الخبر، فعليّ التذكير بأن "سينما النصر" ليست شغّالة، هذه الدار السينمائية من ضمن معالم المدينة، وفي الوقت الذي كنّا فيه نطمح للثورة التي تأتي بفِكر يُرمم ويقدّر لا يُهدم، لم نر إلا مشاهد يُقدم فيها (الكشيك الأصفر) لفِعل فعلته الشنيعة والسهلة جدًا.

لذا، السؤال الذي يراود قارئ المقال الذي يرغب في معرفة حال السينما في ليبيا، هذه حادثة طازجة تبين أن غياب السينما في ليبيا ظل مستمرًا منذ عقود، بعد أن كنّا في مرحلة زمنية ما من ضمن الدول التي تعرض الأفلام بالتزامن مع صدورها في الدول المنتجة لها.

الكشيك الأصفر يهزم سينما النصر

لذا، حال السينما في ليبيا كما هو عليه في الماضي، متروكًا للمجهول، مُحاطا بتجارب ضئيلة تثير في ظاهرها شعورًا بالأمل، كبعض المهتمّين بالكتابة حولها، محليًا ودوليًا، أو من خلال مجموعة من النوادي الصغيرة التي ظهرت واختفت في الوقت ذاته. إضافة إلى إنتاجات لم تحقق في موادّها أيّ معايير فيلمية، عدا عن كلاسيكيات أُنتجت، والتي لا تتجاوز أربعة أو خمسة أفلام، والأخرى التي نسعد بوجودها لدرجة أننا نكررها في كل فرصة مهرجان، آخرها مشاركات تستحق التقدير في مهرجان قرطاج السينمائي، مُفتقدين بذلك أيّ نوع من الدراسات والمقالات التي تحلّل أثر هذا الغياب في المجتمع، المختلف من جيل لآخر.

 

في هذا المقال لن نركز على تاريخ وأرشيف السينما الليبية، لكننا سنلقي نظرة سريعة على الطريقة التي يتم فيها تجسيد الليبي في هوليوود والأفلام العالمية، وعن الحل الذي قد يكون الأنسب لهذه المغالطات.

  • الصورة المجسّدة لنا كليبيون في السينما العالمية؟

عُرفت هوليوود خصيصًا بأنها لا تضع في اعتبارها إلا الجمهور الذي تستهدفه، فإذا خاطبت جمهورها في الداخل، أو بعض مجتمعاتها في الخارج، فهي لن تهتم بتجسيد الصورة الصحيحة عندما تقتبس شخصيات من ثقافات مختلفة، كالأفارقة والعرب، لذلك، ليس بأمر جديد عندما نرى هوليوود تصوّر الليبيون بصورة فيها من المغالطة الكثير، ومن الأمثلة الشهيرة في هوليوود قد نذكر أحدثها عندما تم تجسيد المرحلة التي غطت فيها الصحفية "ماري كولفن" في فيلم A Private War  جزءًا من الثورة الليبية ضد نظام القذافي عام 2011، حيث جاء تجسيد اللهجة الليبية بصورة هزلية، كما تم تأدية دور تمثيلي جُسِّد فيه القذافي أيضًا. ومن الأمثلة الحديثة الاخرى، سواء وقفنا على مصداقية الحدث أم لأ، فقد قام المخرج الأمريكي الشهير "مايكل باي" بتحقيق فيلم بعنوان 13 Hours: The Secret Soldiers of Benghazi، يقوم بتسليط الضوء على الثلاثة عشر ساعة التي قام فيها ستة جنود أمريكان محاولة صد الهجوم الإرهابي الذي استهدف السفير أمام السفارة. في هذا الفيلم، لم يكن لهوليوود داعي في أن تقوم بتجسيد الليبيون على حقيقتهم، بل كانت تحاول الاهتمام بسرد بطولتهم فقط، من زاوية ضيقة، صوِّرت فيها المدينة بطريقتها الخاصة.

13 Hours The Secret Soldiers of Benghazi Official Trailer #1 (2016) Michael Bay Movie HD

لا يمكننا أن ننسى ذكر أمثلة أخرى هامة في هوليوود، كالحوار والصورة التي قام فيها فيلم الخيال العلمي الشهير Back to the Future تجسيد الشخصية الليبية بلباس غير لباسها ولغة غير لغتها، كمحاولة لإظهار بدائية الليبي وجهله، وفي ربط تاريخي بين الفيلم وزمن اصداره، فالعلاقة الأمريكية الليبية في ذاك الوقت لم تكن على ما يرام. هذه سوى أمثلة للكيفية التي ظهر بها الليبي في الأفلام العالمية، لكننا أيضًا لا ننسى الحضور المتزايد لكلمة "ليبيا" خلال عدة مسلسلات وأفلام شهيرة، خاصة بعد انتشار السلاح في ليبيا والاخبار التي تؤكد على سهولة تداول السلاح من وإلى البلاد.

Back to the Future, Part I: The Libyans (1985) [HD]

إذًا، حتى هذه اللحظة، وبشكل متكرر ومتزايد، نلحظ عدم وجود أي تغيير في ظهور ليبيا خلال السينما العالمية، وكما يحصل مع المواطن الليبي عند السفر، يصعب معرفة بلاده إلا في حال ذُكر القذافي بعدها –وهذا فعل مباشر نجح فيه مُعمر عمومًا-، أو عند المغالطة بين ليبيا ولبنان، فنلجأ لحوار طفيف حتى نوضح موقعنا من هذا العالم، رغم أنه موقع له حيز كبير على الخريطة، فكيف إذًا سنقوم بتصحيح هذه المغالطات عندما يتعلق الأمر بالصورة المجسّدة سينمائياً؟ هل هناك أمثلة لمجتمعات ودول عانت نفس الأمر لكنها تمكنت من وضع ذاتها، كنوعٍ من وجود رأي آخر، حقيقة أخرى، أو في تعبير أكثر واقعياً: ألا يجدر بنا أن نعبر عن أنفسنا أمام العالم أولًا؟

 

  • ماذا يتطلب حتى نشكّل صورتنا في السينما؟

لكي نجد حلولًا لهذه المغالطات، والتي في الواقع لا أجدها الحافز الأول لإيجاد طُرق مختلفة نعيد فيها صياغة أفكارنا ولباسنا وطريقة عيشنا، لأننا نحتاج بالفعل لسرد قصص كثيرة تستحق الظهور، بأفكار مختلفة، حتى من الداخل، من بين ثقافاتنا المتعددة والمتداخلة.. علينا أن نأخذ التجربة السودانية كمثال حديث وحي، بلاد تعاني كما نعاني في ليبيا، لا نختلف كثيرًا، فالهيكل الاجتماعي بين الدولتين قريبين للغاية، ولم تكن السودان أيضًا قادرة على إنعاش السينما في بلادها، لكنها اتخذت طريقا مباشرا وسريعا لإيعاد السودان على خارطة السينما العالمية، وشاهدنا الفيلم الوثائقي الناجح لصهيب قسم الباري "الحديث عن الأشجار" والذي كان عن تاريخ السينما السودانية وشغف السودانيين بالفن السينمائي والعودة لمشاهدة الأفلام السودانية القديمة، ونجح الفيلم عالميًا، في قيمته الفنية وتأثيره وحكايته، وأيضًا في حكي قصة السودان مع السينما، ومن هذا المنطلق، لا يمكننا نسيان نجاح الفيلم الروائي "ستموت في العشرين" لأمجد أبو العلا، فوزه كمخرج صاعد في فينيسيا، وغيرها من الإنجازات، التي لم تكن صدفة، لكن كان لأمجد ولبعض المخرجين السودانيين محاولات مباشرة دون الاهتمام بدعم الحكومة أو المشاهد المحلي، وهذا ما يسمى بحرق المراحل، وهي فرصة أعاد فيها المخرج السوداني تشكيل صورة السودان في الخارج، سواء اتفق معها البعض أو لأ، لكنها مرحلة تمكّن من المعارض الآخر، تشكيل تصوره أيضًا.

1 / 2

لدينا أيضًا التجربة السعودية، وهي تجربة مختلفة بعض الشيء لكونها أتت مدعومة بشكل حقيقي وصارم من قبل الحكومة السعودية، لكنها الطريقة المثلى لكي يُنتج السعودي صوره الخاصة عن ذاته، ولن يكون لهوليوود الغلبة في تجسيد الصورة المعتادة عن الشعب السعودي والخليجي عمومًا.

في إيران، يمكننا النظر لتجارب أصغر فرهادي على أنها التجارب السينمائية الأشهر عالميًا، وهي تجارب يعتبرها الإيرانييون أنفسهم "متمردة" غير واقعية، أو لكي أكون منصفًا، ليس جميعهم، لكن للحكومة مواقف معارضة، إلا أن العالم تمكن من التعرف على الكثير من القضايا الاجتماعية في إيران، بل حتى القضايا الفردية، لكن التجربة السينمائية الإيرانية لها تاريخ عريق. فكما قدم فرهادي أفلامه للعالم، تمكن مخرجين كثر في إيران من الوصول للعالمية أمثال عباس كيارستامي ومجيد مجيدي، وهما أيضًا تمكنا من تشكيل صور مختلفة شرحت المعاناة الإيرانية، وهي قصص بدت للعالم الآخر مفهومة، فالإنسان مهما اختلفت بيئته، نشترك في العديد من المشاعر ولنا نفس التأثيرات مهما كانت المدخلات مختلفة.


لذلك ومن وجهة نظر شخصية، لن نتمكن فعليًا من وضع صورة مغايرة عن أنفسنا كليبين إلا عندما نُنتج أعمالًا ليس بالضرورة عالمية، لكنها على الأقل متاحة ومفهومة ومخدومة، تناقش قضايانا الداخلية، قصص المجتمع وقصص الفرد، من أي وجهة نظر، فلكل مخرج وفنان تعبيره الذاتي، وليس من المعيب أن نضع على خارطة السينما العالمية وجوه ليبية متبانية، لكننا على الأقل نحن من يكتبها، وهذا لن يحدث بالانتظار، ولا أعلم إذا كان سيحدث، لأننا نملك نقص حادًا في كتاب السيناريو وفي شركات إنتاج حقيقية، إلا أن السودان وغيرها من الدول علينا أن نأخذها مثالًا، فمن يدري؟ فيلما جيدا واحدا ليبياً.. قد يعيد لنا أمل السينما من جديد.

مقالات ذات صلة