العملية السياسية في ليبيا: هل الفشل هو المصير المحتوم؟

اعتقدَ الكثيرون طوال المدة السابقة أن الإنتخابات أمر ضروريّ لحل النزاعات القائمة على السلطة، نزاعات عسكرية وتضاربات تشريعية أخذت البلاد إلى منعطفات كثيرة أبرزها وجود حكومتين موازيتين للبلاد طوال خمس أو ستِّ سنوات سابقة.

جاء ملتقى الحوار السياسي كي يضع 75 شخصية سياسية تمثل التيارات المتنازعة ومُعيّنة مسبقاً من الأمم المتحدة وعبر المندوبة الأممية ستيفاني ويليامز لتُمثّلَ عمليا ما نُطلق عليه " أعضاء ملتقى الحوار". والذي تلا جلسات الحوار (التي كان جزء منها جلسات افتراضية) هو انبثاق حكومة وطنية جامعة يترأسها عبد الحميد الدبيبة، بالإضافة إلى محمد المنفي كرئيس للمجلس الرئاسي، يتلوه موسى الكوني نائبا.

ولم تنتهِ القصة هنا، فهذه الحكومة التي انبثقت في مارس الماضي حسب خارطة الطريق السياسية، كانت مُطالبةً بأن تهيّء البلاد وتقودها إلى انتخابات رئاسية وبرلمانية بحلول 24 ديسمبر، بالإضافة إلى تأمين العملية الإنتخابية، فهل عَمِلت هذه الحكومة على الدفع باتجاه الانتخابات؟ وهل ستُجرى الإنتخابات في موعدها؟ وما الذي تغير منذ أكتوبر العام الماضي إلى الآن؟

المفوضية الوطنية العليا للانتخابات

بداية الترشح

منذ بدء استقبال ملفات المترشحين للانتخابات في مكاتب المفوضية العليا للانتخابات في نوفمبر الماضي، تدافع السياسيون بشكل جنوني لتقديم أوراق ترشحهم. ولم يخلُ الأمر من شخصيات جدلية ليس سيف الإسلام القذافي (نجل معمر القذافي) هو الوحيد فيها، فقد تلاه وسبقه شخصيات امتازت بتاريخ إما دموي أو اقترن اسمها بفساد مالي طوال عقود، أو ببساطة ترشح شخصيات هزلية من خارج السلك السياسي من أمثال الممثل الكوميدي حاتم الكور.

ولكن الشخصيات الأكثر جدلاً على الإطلاق كانت تتمثل في العسكري "خليفة حفتر"، ووزير الداخلية السابق "فتحي بشاغا"، بالإضافة إلى "عقيلة صالح"، وأيضاً "عبد الحميد الدبيبة "رئيس الحكومة الحالية"، حيث تم قفل باب الترشح بعد أن وصل عدد المترشحين إلى ما يقارب المائة شخصية من بينهم امرأتان فقط هما "هنيدة المهدي" و "ليلى بن خليفة".

وما تلى ذلك هو مراجعة ملفات المترشحين والاستبعاد (مبدئياً) لما يقارب أحد عشر شخصية أبرزها سيف الإسلام القذافي.

تزوير وطعون

مع استبعاد سيف الإسلام القذافي، بدأت سلسلة الطعون القانونية التي سارت بسلاسة بالنسبة للكثيرين، غير أنها بالنسبة إلى شخصيات مثل سيف الإسلام وخليفة حفتر وعبد الحميد الدبيبة كانت تشبه مباريات الكلاسيكو، فقد كان الهرج والمرج قد بلغ مداه حين تداولت مواقع التواصل الاجتماعي والقنوات الإعلامية صوراً ومقاطع فيديو من أمام المحكمة، في سبها جنوب البلاد، توضح وجود تشكيلات عسكرية تمنعُ محامي سيف الإسلام القذافي من تقديم الطعن الذي بموجبه سيُعاد سيف الإسلام إلى السباق الرئاسي.

بموجب ذلك وعلى الجهة الأخرى كان أحد المرشحين قد قدّم طعناً لأجل إعادة النظر في ملف ترشح خليفة حفتر، والذي تم اعتباره طعناً باطلاً بسبب قانون الاختصاص المكاني، الذي يجعل الطعن مقبولاً في حال تم تقديمه في نفس الدائرة الانتخابية التي يتبعها المرشح.

ولم ينته الأمر هنا فالتجاذبات وصلت حداً مجنوناً بين من يرى أن الطعن صحيح قانونياً ومن يراه عكس ذلك. هذا دون أن ننسى الطاعنين في شخصية خليفة حفتر باعتباره المسؤول الأول عن الحرب التي راح ضحيتها الآلاف بين قتلى وجرحى ونازحين.

وفي الجهة الأخرى تم أيضاً تقديم طعن ضد ترشح رئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة الذي نكث عهده، فقد قام الدبيبة بحلف يمين أمام الشعب في وقت سابق ألا يتقدم للترشح غير أنه فعل عكس ذلك.

وبين مؤيد لما حدث ومعارض فقد حكمت المحكمة أخيراً بإعادة الدبيبة إلى السباق الرئاسي بعد تقديم حجة من محاميه مفادها أن اليمين التي حلفها الدبيبة هي يمين أخلاقية ولا تعتبر ملزمة قانونياً!

وقد شنّ رواد مواقع التواصل الإجتماعي حملة كبيرة ضد شخص عبد الحميد الدبيبة باعتباره غير أمين، ويُذكر هنا أن هذا الأخير كانت تحوم حوله الشبهات منذ توليه رئاسة الحكومة قبل ما يقارب عام، أهم هذه الشبهات هي رشوته لأعضاء ملتقى الحوار السياسي، يتبعها حملة تشكيك في مؤهلاته العلمية التي قادها الناشط حسام القماطي ليثبت بها أن عبد الحميد الدبيبة ليس خريجاً لجامعتي ريجينا وتورنتو بكندا وأن شهاداته مزوّرة.

تحركات عسكرية وقائمة نهائية مفقودة

مع تشديد الأمم المتحدة على ضرورة الالتزام بالانتخابات كطريق لحل الأزمة السياسية في البلاد، نشهد أيضاً هذه الأيام وجود تحركات عسكرية في الجنوب وأيضاً تحركات بالعاصمة من قبل مليشيات يترأسها المدعو "صلاح بادي" الذي وجّه رسالة مفادها أن الإنتخابات لن تُقام في موعدها. وكانت تصريحات بادي قد جاءت بعد عودة ستيفاني ويليامز منذ فترة وجيزة إلى عملها كمندوبة بليبيا والذي تبعه أيضاً زيارات قامت بها إلى مدن ليبية، حيث التقت شخصيات عسكرية وشخصيات تُمثل القوى المدنية لهذه المدن.

وقد لوّح صلاح بادي (آمر لواء الصمود) بتهديدات كثيرة شملت محاصرة مقر الحكومة بالإضافة إلى وصفه لستيفاني ويليامز بـ "الكلبة"، ليوضّح أن الأمر بالبلاد لازال رهناً لعصابات ترفض العملية السياسية برمتها.

وقد تزامنت هذه التصريحات مع خروج رئيس المفوضية العليا للانتخابات عماد السايح قبل أيام بتصريح قال فيه أن إعلان القائمة النهائية للمرشحين أمر غير ممكن.

وكان المجلس الأعلى للدولة بقيادة خالد المشري قد اقترح في وقت سابق تأجيل الإنتخابات إلى شهر فبراير من العام المقبل على أن يكون إجراء الانتخابات الرئاسية وفقا لنظام القائمة الذي يشمل رئيساً ونائبين ورئيساً للحكومة.

ومع كل هذا التخبّط الذي نشهده هذه الأيام فقد بات جلياً للجميع أن الانتخابات لن تُقام في موعدها بسبب بعض الإشكالات، بالإضافة إلى أن القوائم النهائية لم يتم إعلانها. هذا دون أن ننسى أن الدعاية والحملات الإنتخابية من المقرر أن تكون لمدة أسبوعين كاملين، وهو ما يتعذّر في الوقت الحالي، ما يجعل حالة الإنسداد السياسي تجثم على العملية السياسية برمتها سامحةً للسؤال الذي يختبئ في قلوبنا بالظهور للعلن:

ما مصير العملية السياسية في ليبيا وهل ستستمر؟!

مقالات ذات صلة