ثقافة
08.02.23

عن الفلسفة الإغريقية

يقول أحدهم: "إذا كنت ترغب في فهم شيء معين يجب في بداية الأمر أن تلقي نظرة على الفكر اليوناني."

هناك كثير من الأشياء مثيرة للفضول في الحضارة اليونانية، هم الشعب الذي صنع من مأساته فن، ومن حروبه ملاحم شعرية، ومن أساطيره وسيلة بسيطة لتوضيح أشد المفاهيم الإنسانية تشعباً، ومن عقيدته الدينية مادة للمسرح والشعر والأدب ولتجسيد الصراع ما بين الخير والشر، حيث رمزية كل إله من آلهة الأولمب تعبر عن مفاهيم مجردة وسامية في بعض منها.

أغلب الأفكار والعلوم والمعارف الفلسفية والسياسية والدينية والعلمية تجد نواتها الأولى لدى الحضارة الإغريقية، ومن وضع حجر الأساس لكل منها كانوا في أغلب الأحيان ينتمون لأصول إغريقية، وبالتالي لفهم فكر معين الفهم الدقيق لابد من القاء نظرة على هذه المدنية العريقة.

ممّا لا شك فيه أن هذه الحضارة لم تأتِ من العدم والمعارف المنبثقة عنها، وليست مجرد معارف فطرية توصلوا لها من خلال التذكر، بل إنها تأثرت بالعديد من الحضارات الأخرى المجاورة لها. يقول جورج تومسون: "إن وجهة النظر اليونانية في الحياة لم تكن كما تطرح أحياناً، تعبير عن صفات موروثة في اليونانيين بحد ذاتهم، وإنما كانت الاستجابة الغنية والمتنوعة التي أبداها شعب غير متجانس تجاه نمو المجتمع اليوناني نفسه المعقد والمستمر، كما حددته الظروف الخاصة لبيئته المادية والتاريخية. واستخدام الناس أوقات فراغهم، وآرائهم في العالم المادي، وفي الحق والباطل، وفنهم وفلسفتهم ودينهم، تتفاوت وتتطور وفقاً للتباينات والتطورات في علاقاتهم الاجتماعية التي تتقرر بدورها في النهاية بأسلوبهم في تأمين بقائهم المادي."

فعلى سبيل المثال من الناحية الدينية تأثرت اليونان بديانة آسيا الصغرى، كانت آسيا الغربية تعبد الآلهة الأم، وعندما أتوا اليونانيون إلى آسيا الصغرى اتخذوها عقيدة لهم وقاموا بتسميتها الآلهة أرتميس، والآلهة أفروديت لدى الإغريق ماهي سوى محاكاة لنموذج الآلهة البابلية عشتار.

الحضارة اليونانية كانت سابقة لعهدها، فالعديد من النظريات التي غيرت فكرتنا عن العالم والتي تم إثباتها في القرون الآخيرة، تم تناولها بالبحث من بعض فلاسفة اليونان الذين عاشوا في عصور كانت موجودة ماقبل الميلاد بآلاف السنين. ففكرة مركزية الشمس ودوران كل الكواكب حولها التي تُعزى لكوبرنيك، والتي أثبتها غاليليو غاليلي في حوالي القرن السابع عشر حيث لاقت الرفض من قبل الكنيسة الكاثوليكية لتعارضها مع ما هو موجود في الكتاب المقدس ومع مبدأ أرسطو -الذي يرى فيه أن الأرض هي مركز الكون وأنها ثابتة وكل الكواكب تدور حولها- قد كان أول من لاحظ نظرية مركزية الشمس هو إرستارخوس الساموسي عالم الفلك اليوناني.

وأيضاً لا يخفى على أحد تأثير الصِبغة الأفلاطونية الميتافيزيقية في الفكر الأوروبي الكاثوليكي بصفة خاصة، حيث أن المذهب الأورفي المتصوف لأفلاطون الذي يدعو للزهد وتولية العناية للجانب الروحي وعدم الاكثرات للملذات والرغبات الجسدية، قد أثر في الديانة المسيحية بنموذجها الكاثوليكي بشكل ملحوظ. حيث يرى أفلاطون أن الجسد وشهوات الجسد هي من تعيق الإنسان على تحصيل المعرفة الخالصة، وأنه مصدر للشرور وأن جميع الحروب والانقسامات سببها احتياجات الجسد. فبعض الحروب تنشأ بسبب حب المال وما يوفره هذا المال من احتياجات الجسد، ويظهر تأثر الديانة المسيحية بأفلاطون في دعوتهم إلى الرهبنة وانتقائهم لأنماط معينة من الموسيقى والفنون، حيث أن أفلاطون في جمهوريته قد حدد ما هي أنواع الموسيقى والشعر والمسرح المسموح بممارستها في مدينته. ويبدو أنه لم يؤثر فقط في الديانة المسيحية، بل أثر في العديد من الديانات التي تؤمن بفكرة تناسخ الأرواح.

فيرى أفلاطون: "أن روح الفيلسوف الحق التي تحررت أثناء الحياة من عبودية الجسد، سترحل بعد الموت إلى العالم الخفي فتعيش في صحبة الآلهة، أما الروح المشوبة التي أحبت الجسد فتصبح شبحاً مخيفاً يعاود الجسد في قبره، أو تدخل في جسم حيوان، فتحل مثلاً في حمار أو ذئب أو صقر، حسب ما تتسم به من خصائص، فالرجل الذي اصطنع الفضيلة في حياته بغير أن يكون فيلسوفاً، سيصبح نحلة أو نملة، أو حيواناً آخر من القبيل الاجتماعي من صنوف الحيوان."

القصة الكاملة لحضارة الإغريق

مقالات ذات صلة