ثقافة
18.08.21

موسيقى الريقي الليبية: رحلة الصعود والهبوط

فرقة الطائر الأبيض ماينتهيش

البحث داخل الكاسيتات القديمة التي كُتب فوقها كلمات "الطائر الأبيض" بخط أحمر كان هو عنوان بحثي الأول في أغراض خالي القديمة، فقد كان يجمع تلك الكاسيتات في أيام شبابه، بالإضافة إلى كاسيتات أخرى لفنانين آخرين ولألوان مختلفة من الموسيقى التي تتباين كثيرًا، وتكاد لا ترتبط ببعضها بأي شكل من الأشكال. وحين كنت أبحث عبر منصات التواصل الاجتماعي واليوتيوب والمنصات الموسيقية أيضًا كنت أكتب اسم أغنية أعرفها لتتوالى بعد ذلك عناوين أخرى لأسماء أغان أخرى أرددها قبل أن أقوم بتشغيلها أصلًا، حيث كانت ذاكرتي الطفولية تعيد الأغاني بشكل كامل بألحانها وموسيقاها وأصوات المغنّين أيضًا، فموسيقى الريقي هي موسيقى المراهقة التي شكلت جزءًا كبيرًا من ذوقي الفني وإليها يرجع تقريبًا حُبي المرضيّ لآلة الدرامس وللطبول بشكل عام.

الريقي...من أين؟
لم يكن الريقي موسيقى شعبية ارتبطنا بها بفضل الجغرافيا أو بفضل العادة مثلًا، بل كان في جوهرها موسيقى وافدة تمتزج فيها الألحان الجامايكية والكاريبية والإفريقية أيضًا. ولكن هذه الموسيقى أثرت في جيل كامل هو ما يمكن أن نسميه وفق التصنيف الأمريكي للأجيال باسم جيل الألفية، وهو الجيل الممتد من مواليد عام 1980 إلى مواليد عام 1996م، وقد شكّل الريقي بالنسبة لهذا الجيل الموسيقى الأولى والأهم تقريبًا، بحيث طغى على ألوان موسيقية أخرى بسبب بساطة كلماته وسلاسة موسيقاه وتفرّدها. وكانت تلك الفترة هي فترة مجد الريقي الليبي حيث كانت مليئة بفرق ومغنّين تأثروا بعرّاب الريقي الجامايكي بوب مارلي وكانت تتخذه مثالًا لها، منها على سبيل المثال: فرقة الطائر الأبيض وفرقة النسيم مصراتة.

اشرحلي | شنو قصة الليبيين مع بوب مارلي؟

وقد أكّد الكاتب مجاهد البوسيفي في روايته أزاتسي عن ولع الليبيين القديم بفن الريقي وارتباطهم بعرابه بوب مارلي، وأن هذا الولع أقدم من جيل الألفية بكثير، ويروي بهذا الصدد بين صفحات روايته قصة تأثر الليبيين بموت بوب مارلي، وكيف أن جمعًا يضم داخله مجموعة من الموسيقيين المعروفين قد خرج من شارع هايتي في منتصف العاصمة يحمل تابوتًا كي يقوم بتأبين الأسطورة في جنازة غائب، ولكن حين كان الجمع يتوجه لمقبرة سيدي منيدرقطعت القوى الثورية آنذاك طريقه، وقامت بتشتيت الجمع وهي تهتف بحياة الثورة وقائدها، وكان ذلك في العام 1981م.

بوب مارلي

الطائر الأبيض وفرقة النسيم مصراتة:
حين نقوم اليوم بذكر موسيقى الريقي فإن ذلك يعني أن يربط السامع أو القارئ هذه الموسيقى تلقائيًا بفرقة الطائر الأبيض، ويرجع سبب ذلك ليس إلى الأقدمية بالطبع، بل إلى عامل آخر هو الانتشار، فقد سبقت فرقة النسيم فرقة الطائر الأبيض بأكثر من عقد من الزمان واشتهرت هذه الفرقة بأغنيتها "اشتاق خاطري" وأغنية "يفوت الليل ويعدّي" وكان الموسيقِيّ منصف التومي أحد مؤسسيها.

فرقة النسيم مصراتة

أما فرقة الطائر الأبيض فقد نشطت في عام 1990م وأطلقت أول ألبوم لها عام 1993م الذي حمل اسم "ما تصدقيش الناس" وكان يضم مجموعة لا بأس بها من الأغاني التي أثرت في مستمعيها ذلك الحين ونالت استحسانهم، وكانت فرقة الطائر الأبيض مكونة أساسًا من خمسة أفراد موزعين بين عازف غيثار وعازف أورج وعازف درامس إلى جانب عازف طبول على الطريقة الإفريقية.
ولا يجب أن نغفل في سردنا هنا لتاريخ الريقي أسماء مغنّين فرديين من أمثال عادل حوية الذي اشتُهر بأغانيه "ويش خطّر عليك اليوم" وأغنية "غريبة تغيّرتي".

فرقة الطائر الأبيض

رقص الريقي:
اشتهر أيضًا إلى جانب موسيقى الريقي رقصة خاصة كنا نسميها الريقي التي كنت أحاول منذ مدة ليست بالطويلة إتقانها والتي كانت مزيجًا من الرقصات الغربية، بالإضافة إلى النمط الرائج في ليبيا الذي كان يتمحور أساسًا حول تقاطع الرجلين وحركات بالأيدي. وكانت حفلات الريقي الشبابية رجالية حصرًا وتتسم بنوع من البهجة، رغم أن أغلب الأغاني كانت تحمل كلمات الفراق والعتاب.

وقد تم في مطلع الثورة تداول فيديوهات لعناصر من الجيش وعناصر من الثوار أيضًا يؤدّون هذه الرقصة في معسكرات الحرب وبين دويّ المدافع وبأزياء عسكرية.

ليبيا رقص فاصل رقص من ثوار ليبيا dance libyan

وقد خَفَت بريق هذه الرقصة كما خفت بريق أغنية الريقي، وتم الاستغناء عنهما تدريجيًا منذ دخول موسيقى الراب وازدياد شهرتها، بحيث أنني دائمًا ما أربط ما بين صعود الراب شعبيًا وسقوط الريقي شعبيًا، بحيث تم استبدال نمط غنائي بنمط آخر.

الريقي اليوم:
وكما أسلفنا فقد تزامن هبوط الريقي مع ارتفاع الراب لينتهي الأمر مع حلول عام 2012 وما بعدها بهبوط الاثنين معًا على صعيد الإنتاج المحلي، حيث اختُصر الريقي في شخص محمد موتاتيك، أما الراب فاقتصرعلى مجموعة قليلة من الفنانين. وبدأ المستمعون ينفتحون على موسيقى أخرى كالراب التونسي مثلًا والأغاني الأجنبية ليعود الريقي غريبًا كما كان، وليتم الإشارة إليه مجددًا واختصاره في شخص الراحل بوب مارلي. فمارلي بظفائره المجعدة والطويلة هو العرّاب الشرعي للريقي ومنه بدأ عالميًا وإليه ينتهي.

مايهمنيش الناس : موتاتيك & اريناس ( Official Music Video )

مقالات ذات صلة