من صحافية إلى عاطلة عن العمل...كيف غيرت تذكرة سفر حياتي

حسناً، فكرت كثيراً بتغيير عنوان هـذا المقال وكتابة شيء آخر ربما أقل خصوصية، ولكن تذكرت جملة للكاتبة الجزائرية أحلام مستغانمي تقول فيها ما يعني أننا نستطيع نقتل الأشخاص والذكريات بجرة قلم.

لذا ربما سأجعل هذا المقال جلسة للتخلص من أثقال الماضي والمضي قدماً، ربما سأكتبه وأحتفظ به لنفسي، وربما سينتهي به المطاف في سلة المهملات. لا يهم، ما يهمني حقاً الآن هو أنني عدت للكتابة من جديد، بعد أشهر من جفاف قلمي.

لا أعلم أين هي البداية وكم نسبة المعلومات التي يجب حقا أن أشاركم بها، ولكن ومثل أي جلسة للعلاج النفسي يبدأ المريض بسرد قصته على مراحل، حتى يثق تدريجيا بطبيبه، ويجتاز المحنة.

إذاً لن أشارككم بالقصة الكاملة اليوم، وصدقوني إنها قصة تستحق القراءة...

أستطيع القول إن حياتي كانت رائعة ومثالية، كنت أمتلك كل ما أريد، بيتي الخاص، عملي الذي كنت أعشقه، أصدقاء رائعين، ومالاً يكفيني للسفر كل ثلاثة أشهر لزيارة بلد جديد. كنت قد دخلت سنتي الثالثة كصحافية كاتبة في واحدة من أشهر القنوات العربية الإخبارية، في ذلك الوقت عملت لأكثر من اثنتي عشرة ساعة في اليوم. ولكني كنت سعيدة عند عودتي لبيتي الصغير ذو الغرفة الواحدة كل ليلة، متعبة من كتابة التقارير وصريخ المنتجين ومدراء التحرير بسبب عطل ما أو خطأ اقترفه أحد الصحافيين.

كانت تغمرني سعادة كبيرة، وإحساس بالحرية لا مثيل له، غالباً ما كنت أتجاهل رنين هاتفي المحمول عند اتصال والدتي أو أحد الأصدقاء لدعوتي للعشاء. لم يكن لدي الوقت لشيء آخر، لا حبيب، لا قريب، ولا أي من تلك الالتزامات، ولكني كنت حقاً سعيدة.

أنا من مواليد برج الجوزاء، إن كنت مهتم بعلم الفلك والأبراج ستفهم الكثير عن شخصيتي الآن، وإن كنت غير مهتم، اسمح لي بأن أعرفك عن نفسي سريعاً. أنا جوزائية متمردة، مجنونة، عادة ما أؤمن بالشيء ونقيضه، لا أشعر بالانتماء لمكان ما أو أشخاص، وأكره الوداع، أنا من الأشخاص التي غالباً ما سترحل في منتصف الليل للعيش في مكان جديد دون إعلام أختها أو صديقتها التي كانت تنام في بيتها في تلك الليلة.

دائماً ما طاردتني روحي المتمردة البوهيمية فور استقراري في مكان ما أو بلد ما، وبدون قصد أجد نفسي حاملة حقائبي مستعدة للرحلة الجديدة. ساعدني السفر كل ثلاثة أشهر كثيراً في التغلب على هذه الروح الشريرة. كنت فور شعوري بالاختناق، أصعد على متن طائرة ما. لكن سنة ٢٠٢٠ كانت مختلفة تماماً حيث أقفل العالم في وجهي لأشهر عدة، واختلت بي الروح المتمردة مجدداً!

كنت أتحدث مع صديقاتي عن الحرية، وعن كرهي للشركات والعمل بدوام كامل تحت إدارة ما. كنت أقول أنني أريد التحرر، أريد العمل بحرية أكثر والعيش كل ثلاثة سنوات في بلد ما، بدون تكاليف أو أموال، كانت هذه آية البوهيمية تتحدث.
لم أكن أعلم حينها ما سيكون تأثير هذه الكلمات على حياتي بعد أشهر قليلة فقط.

في بداية سبتمبر ٢٠٢٠ بدأت الحياة في العودة تدريجياً، وفتحت بعض البلدان حدودها، وأنا كطائر عاش في قفص لشهور، فردت جناحي وتوجهت لأحد البلدان، لست مستعدة للبوح بأسباب سفري لهذا البلد تحديداً، ولكني ذهبت هناك لغرض ما، ولكنها كانت الزيارة التي كلفتني عملي واستقراري.

ما عشته في تلك الإجازة التي لم تنته بعد، كان كثيراً على قلبي، لم أكن أعلم أن تلك الزيارة ستريني الكثير، بل وستغير حياتي بالكامل. رأيت فيها الكثير، وتلقيت العديد من الضربات من أشخاص كانوا بمثابة العائلة، لن أكذب عليكم، كانت أيضاً من أجمل الرحلات في حياتي، مليئة بالذكريات الساحرة، والمغامرات الرائعة.
هل يمكن أن يعيش الشخص أسوأ وأجمل أيام حياته في ذات الوقت؟ هكذا كانت تجربتي، لدي الكثير لأحكيه لكم عن تلك الأيام، ولكن نحن اليوم نتحدث عن العمل والحياة المهنية.

في نهاية العام، عشت تقريباً أيام كانت كفيلة بإنهاء حياتي، بعيداً عن الأذى النفسي، أصبت بفيروس كورونا، وطردت من عملي وأنا خارج البلد. كنت وحيدة، في بيت بارد جداً، ومريضة جداً. كانت تجربتي مع فيروس كورونا هي الأسوأ، آلام في جسدي، حمى عالية، وسعال قوي. والأصعب أنني كنت وحدي، مع كبريائي، الذي منعني من طلب المساعدة من أحد.

لهذا اليوم لا أعلم ما كلفني عملي، هل كان تمردي، أم كان ما طلبته من الكون في ساعة استجابة، هل كان الحب، أو المرض؟

انتهى ٢٠٢٠ واستقبلت عاماً جديداً، وأنا عاطلة عن العمل، لأسباب شخصية اخترت العودة للبلد الذي أقيم فيه، كانت العودة بمثابة الهزيمة لي، عانيت لفترة طويلة من الاكتئاب، ولكن ببعض الدعم، نجحت في الوقوف على قدمي مرة أخرى.

اليوم لا زلت بشكل ما عاطلة عن العمل، بعدما رفضت العديدة من فرص العمل في مجالي لأسباب أخلاقية نتطرق لها لاحقاً، ولكنني اخترت أن أتعامل مع هذه الظروف بروح إيجابية. ومن صحافية يا أصدقائي، أعمل اليوم بشكل عشوائي، كاتبة ليلاً، خبيرة تجميل في أيام معينة، وموظفة في مجال التسويق أيام أخرى، ربما جليسة أطفال في يوم ما.

بطريقة ما لقد أعطاني القدر ما طلبته، لقد كانت الرحلة شاقة، ومازالت، ولقد دفعت ثمناً باهظاً جداً. ولكني الآن حيث يجب أن أكون، وأنا ممتنة لهذا. لا بأس بذلك، أنا أومن أن عثرات الحياة هي من تبني لنا سلم الصعود، إن كنت في العشرينات، في الثلاثينات، أو حتى في الخمسين من عمرك، لا بأس بالوقوع. لا تقسو على نفسك كثيراً حتى في لحظات الفشل، فنحن هنا لارتكاب الأخطاء والضحك عليها لاحقاً!

فهيا تذكروا معي كل الأخطاء التي ارتكبتموها في الماضي ولنضحك عليها معاً، بكل امتنان لما أعطاه الله لنا، وما أخذ منا.

مقالات ذات صلة