ثقافة
07.03.21

أربعة كتب بأقلام ليبيات عليك قراءتها

على الرغم من فقر المكتبة الليبية، تفتخر ليبيا بالعديد من الكتاب والأدبيين والفنانين الموهوبين الذين يثرون المشهد الأدبي الليبي والعربي بناتج ثقافي وإبداعي. مدفوعون بقلمهم، كل من هؤلاء الشعراء والروائيون والمعلقون، مشاركين قرائهم بتفاصيل تجربتهم المعيشية وواقعهم المشهود ليمتد عملهم عبر ليبيا وما بعدها ويكتسب اهتمام وتقدير دولي.

تمثل القصص المختارة أدناه، واقعية كانت أم من وحي الخيال، جزءاً من موهبة وإبداع حبر الكاتبات الليبيات من شعر وقصة ورواية يُعنى بقدسية الوطن واستكشاف مفهوم الهوية والنضال الصامت في مجتمع كبير.

كنَّا وكانوا للكاتبة والشاعرة محبوبة خليفة

بعد توقفها عن النشر لعدة سنوات، عادة السيدة محبوبة للكتابة عن طريق التدوين وبالأخص تركيزها على حقبة من الزمن وما مرّت به من صعاب، فتدفق مخزون ذاكرتها وتحملها على مدى السنين بمحتوى غني. ولَّد نشر هذه السيرة الذاتية بعنوان كنَّا وكانوا إيماءة إلى محبوبة العرب السيدة فيروز وحنين الكاتبة إلى أغنيتها جايبلي سلام: "كنا وكانوا هالبنات مجتمعين، يمي وما بعرف ليش نقاني أنا"، لتسرد لنا قصة حياتها كشابة خرجت من مدينة درنة بهدف مواصلتها التعليم الجامعي ومناحي الحياة التي أخذتها من تم.

لم تتوانَ الكاتبة عن مشاركة خصوصية التفاصيل المؤلمة والحميمة مع قرائها، لتسرد تجارب فريدة عاشتها وعايشتها مع عائلتها وشهدتها طوال تجربتها المعيشية، منها حادثة إسقاط طائرة الركاب المدنية التابعة للخطوط الجوية الليبية عام 1973 وتأثيرها على مدينة بنغازي التي كان من نصيب أبنائها معظم ضحايا سقوطها المائة وثمانية أشخاص. تحدثت الكاتبة عن فقدانها لجنينها ذات الأربعة أشهر إثر ما انتابها من غضب وحزن وألم، والظلام الذي خيّم على مدينة بنغازي من جراء هذا الفقد العظيم والمشاهد المروعة التي شهدتها المدينة. شاركتنا باعتقال زوجها في العام ذاته ومعاناتها كزوجة شابة وعزيمتها على إنهاء دراستها الجامعية تكريماً لوصية زوجها.

وكعادتها وميولها إلى الموروث والتراث الليبي وتبجيلها لجمال وتنوع الثقافة والفن الليبي في شعرها الليبي العامي، لم يخلُ كتابها من حديث عن المدن الليبية التي قضت جزئيات من حياتها فيها، كدرنة مسقط رأسها وبنغازي التي قضت دراستها الجامعية بها وطرابلس محل إقامتها. استمرت الكاتبة باستعراض مراحل عصيبة من تاريخ ليبيا في تسعة وخمسين محطة من خلال سردها لسلسلة قصتها الخاصة، وصولاً إلى لحظة تغيير للبلاد منتظرة لسنوات.

عن الرواية:
هذه "رواية" امرأة لم تختر طريقها، لكنها اجادت اجتيازه... لم تختر الغربة، لكنها عرفت كيف تضيء الشموع حين يعم الظلام والحيرة.. لم تختر سجن زوجها والمصير المجهول، لكنها عرفت كيف تصبح الأب والأم وتملأ بيتها بكل ما يفرح.
كثيرة هي المحطات التي لم تخترها، لكنها تجاوزتها حاملة معها حكايتها، أحزانها، خيباتها وذكرياتها، وضحكات أبنائها الذين لم يعلموا حينذاك حجم ما كانت تمر به من آلام... فهم لم يروا منها إلا الفرح والسعادة والكثير من الضحك الذي أضاء أكثر الليالي عتم.

زرابيب عبيد للأكاديمية والكاتبة نجوى بن شتوان

متميزة بكتابتها المليئة بالرمزية والسردية المظفرة بالنقد، نجوى بن شتوان في مصاف القاصات والروائيات في الوطن العربي، فازت بالعديد من الجوائز الأدبية العربية وترشحت روايتها زرايب عبيد للجائزة العالمية للرواية العربية 2017 لسردها الآسر للقصص الشعبية المتداولة عن عالم الزرائب في مدينة بنغازي. جاءت هذه الرواية استخلاصاً من أبحاثها في الدكتوراة التي ركزت فيها على تجارة الرقيق في ليبيا وانعكاساتها على المجتمع الليبي في الدولة العثمانية. قليلون ممن يريد استثارة أشباح تلك الحفنة من الزمن التاريخي المدفونة والقضايا العنصرية التي لا زالت تجول في ثقافتنا، لكن قلم الكاتبة الموهوبة شكَّل لنا منصة للكشف عن مواضيع محظورة أعادت لنا النظر على هذه الحقبة. فالرواية ترفع الغطاء عن المسكوت عنه من تاريخ العبودية في ليبيا، ذلك التاريخ الأسود الذي ما زالت آثاره ماثلة حتى يومنا الراهن.

من خلال رواية قوية بتفاصيل أحداث وشخصيات معقدة وعلاقاتهم المتشابكة وتناقض عالمَيّ الأسياد والعبيد في المدينة والبيت ذاته، تقصّ لنا نجوى بصوتٍ سرديّ للعبيد، مختومة بإبداع في قصة حب تمس العصر والمواضيع المحظورة التي لم يتم الكشف عنها من قبل.

عن الرواية:
علاقة حب محرمة تجمع بين السيد محمد والعبدة تعويضة، فيقوم والد محمد بإرساله في تجارةٍ لإبعاده، وإعطاء الأم تعويضة سائلاً في محاولةٍ لإجهاض جنينها، قبل أن يتمّ تزويجها بأحد العبيد. عند عودة محمد من رحلته يعلم أنّ أهله قد قتلوا ابنه وأرسلوا حبيبته إلى حيث لا يدري فيبدأ البحث عنها ولكن دون جدوى...

عايدون للكاتبة كوثر الجهمي

كانت تكتب في بداية مسيرتها القصصية تحت الاسم المستعار "امرأة عادية" ولكن في أول رواية لها حققت نجاح غير عادي وتحصلت كوثر على جائزة مي غصوب عن أول رواية لها عايدون. رواية ليبية محلية سميت بمصطلح ليبي مُحمّل بالمعاني والصور النمطية، تصفها لجنة اختيار الرواية بكونها "تتميز بالإبداع والتجريب" وأنها " تعكس بسلاسة وشاعرية الواقع الليبي وتمس جوانب جديدة وغير معروفة من هذا الواقع... لتسليط الضوء على العديد من القضايا العربية والإنسانية ". "عايدون" هو اللقب الذي رافق العائلة منذُ هَرَب الجدّ إلى سوريا أيام الاحتلال الإيطالي، ثم عودتهم إلى ليبيا بعد سنوات.

بخلاف ما يعتقد الكثيرون، الرواية ليست مبنية على/أو مقتبسة من حياة السيدة كوثر أو تجربتها المعيشية، بل كما ذكرت في أحد المقابلات لها أنها لا تتفق مع آراء جميع الشخصيات التي صورتهم في روايتها، ولكنها أطعمت أبطال روايتها بمواقف شهدتها من الواقع الليبي بهدف علاج نظرة المجتمع الدونية غالباً تجاه "العايدون"، لتحكي عن عادات موجودة في ليبيا بشكل تفصيلي وترفع النقاب عن مجتمع مليء بالتعقيدات.

أعدّت الكاتبة الليبية الرواية بمزيج من اهتمامها وشغفها بالتاريخ الليبي والأدب العربي لتولد صورة بديلة لهذه الشريحة من المجتمع، فطبيعة قلمها يتغلغل في الواقع الليبي ويحاكي مواضيع جريئة لكسر حواجز وطرح مشاكل وقضايا مجتمعية. استحضرت أيقونة تمثال الغزالة في روايتها كمثال لجزء من الموروث الليبي الذي يمثل حقبة مهمة من تاريخنا، واصفة إياه بـ “أنه واجب على الكتّاب والأدباء استحضاره في الفن والأدب الليبي".

عن الرواية:
تختفي غزالة وابنتها حسناء. تدور الشكوك حول أن تكونا قد اختُطفتا مع اختفاء تمثال "الحسناء والغزالة" من إحدى ساحات العاصمة الليبية طرابلس. غزالة، الإعلامية المتحرّرة وصاحبة الشهرة في التسعينيات، كانت قد انتقلت وابنتها للعيش مع والدها بعد فقدان زوجها في تشاد. أما حسناء، التي ورثت التمرّد والثورة من والدتها، فلم تجد في "ثورة ليبيا" ما يؤسّس لمستقبل أفضل. "عايدون" هو اللقب الذي رافق العائلة منذُ هَرَب الجدّ إلى سوريا أيام الاحتلال الإيطالي، ثم عاد إلى ليبيا بعد سنوات.
رواية تدور في زواريب المجتمع الليبي وتعقيداته لترسم مشهداً لخراب متراكم أسّس للخراب اللاحق.

فشلوم – قصص فبراير تأليف الاستاذة عزة المقهور

عزة كامل المقهور، محامية وعضو في المجلس الوطني الليبي لحقوق الإنسان، تمتلك كتابين: 30 قصة من مدينتي، وفشلوم. كما نشرت عدد من المقالات والقصص القصيرة في صحف محلية ودولية مختلفة منها نيويورك تايمز. تخرجت عزة من كلية الحقوق بجامعة بنغازي ثم تحصلت على درجة الماجستير في القانون الدولي والمنظمات الدولية من جامعة السربون بباريس. تدربت بمكتب دولي للمحاماة، ثم أسست مع والدها "مكتب المقهور وشركاه" عند إعادة مهنة المحاماة عام.

كتابها "فشلوم" يجسد حبها الشاعري لمدينتها وهي جزء من كينونتها، فبسرد قوي وأدبي يضاهي شخصيتها، تصطحبنا عزة في رحلة اكتشاف الحرية في أحد شوارع الوطن بتفاصيل دقيقة ترجعنا إلى حدث تاريخي محوري وتكشف لنا عن ارتباط عزة الحميمي بهذا المكان وهذه المدينة التي تشكّل مكوّن أساسي لهذه القصة وغيرها من نصوص عزة المقهور، واصفة "طرابلسيتها" بأنها "مسألة جينية أستمدها من والدي مباشرة...كان ابن الظهرة بكل ما يحمله المكان من معنى".

عن الكتاب:
سكنت عمتي “كميلة” فشلوم، وتحديداً في زقاق “الجامع الكبير”. وكان أبي يأخذنا من “الظهرة” إليها، فتخرج فاتحة ذراعيها في استقبالنا كما تتفتح زهور “نوار العشية” في حديقتها الأمامية. باب بيتها مفتوح، تمتلئ حجرة الجلوس بجاراتها مرصعة بالمنادير، وتتوسط جدارها صورة فوتوغرافية لوحيدتها في فستان العيد أمام الجامع الكبير...أتذكر “مرت الزقلوط” الذي يمتهن طهور الصغار مجاناً، و“مرت عمي الهادي” مدير المدرسة… وغيرهن، وغالباً ما نجدها في بيت إحداهن…كانت تعد لوالدي “خبزة الحوش”، نأخذها ونعود أدراجنا إلى “الظهرة“.

تميزت فشلوم عن الأحياء المحيطة بها بسكانها، وبقلة النازحين منها وشح القادمين الجدد اليها، ومهما بَعُد “ولد فشلوم” عنها تتمدد جذوره حتى تصل اليها، ومهما تعلم وعَلا شأنه يظل مواظباً على إيقاع حياتها الفريد الذي تواترت عليه الأجيال، فخوراً بها.
هكذا هو “فشلوم” حي متكامل ينبض وسط الأحياء، شعبي ببساطة أهله وترابطهم وتمازجهم، بخصوصيته وبشاشة أهله، بأصوات شبابه ينادي بعضهم البعض، بنسائه تلتحفن “الفراشية”، بصغاره يلعبون في الأزقة ويذهبون إلى مدارسهم سيراً على الأقدام، بدكاكينه ومقاهيه الصباحية، بأصالته دون تعنّت، بملامحه التي لا تشيخ.
“طلعت فشلوم“… وكأن فشلوم هي المدينة بأكملها، وشبابها شباب “المدينة” كلها. خرج شباب فشلوم يهتفون للحرية بشجاعة عرفوا بها…أطلقوا عليهم الرصاص، وأغروهم بالمال، قاوموهما معاً، يتظاهرون كل ليلة بصوت عال ويواجهون الطلقات بالصفير...يدخلون الأزقة المعتمة حين يشتد القنص ويحتمون بالبيوت المفتوحة تخفق قلوبهم بقوة تحت ملابسهم الشتوية.

مقالات ذات صلة