أكثر من ساعتين ستجلس فيهما لتشاهد جنسك المهووس بالتقدم يشرح بطريقة ساخرة مثيرة للشفقة على الذات في بعض الأحيان. ستغضب في أحيان أخرى من مدى غبائنا وسط هذا الكم الهائل من ادعاء العبقرية، الكثير من الذكاء يجبر صاحبه على ممارسة الحماقة الفجة دون وعي.
ابتداءً من الاسم وحتى مشهد النهاية يقدّم لك هذا الفيلم وجبة دسمة من الإسقاطات على واقعنا المُعاش، والكثير من الرمزيات التي لربما لن تعيها جميعها إلا بعد مشاهدته عدة مرات. في قراءة سريعة من المرجح أنك ستربط الفيلم كاملاً بجائحة الكورونا، وستصيب في هذا الربط من وجهة نظرك، وهذا جميل حيث أن معاني الفيلم شاسعة لتتسع لجميع تأويلاتنا.
يتناول الفيلم حكم الحمقى لعالمنا اليوم، وهيمنتهم على المناصب العليا لصنع القرار، يحدّثك عن محدودية فكر هؤلاء والنظرة التي لا تتعدى أنوفهم، الأمر الذي يقودهم لتجاهل كل الإشارات التحذيرية، فيظهر هذا الإسقاط بشكل جليّ في دور الرئيسة وبطانتها.
في إسقاط آخر، يتحدث الفيلم في بعض المَشاهد عن قناعة الرؤساء التامة أن المحافظة على الحكم أهم من الحفاظ على أرواح من تح كمهم من الناس، وعند اتخاذهم القرار بالمساعدة، يُبنى هذا القرار على منفعة شخصية تعود عليهم، وهنا يبرز السؤال الآتي: هل نتغاضى عن مصلحة هؤلاء من وراء مساعدتنا فقط لنحظى بنهاية قليلة الأضرار لأزمتنا؟
يتحدث الفيلم أيضاً عن تشابك الإعلام بالسياسة، وندرة تامة قد تصل لانقراض الإعلام النزيه المحايد، فيتم تسييس كل شيء، حيث أن المال هو ما يعطي الحقيقة مشروعيتها.
في سياق تفصيلي، يتناول الفيلم التقدم التكنولوجي المفزع، وحاجة البشر الملّحة لإثبات أنهم كائنات متقدمة...هذه الرغبة التي ستقودنا للهلاك دون شك يوماً ما. بالإضافة لتشابك هذه الشركات الكبرى مع السياسة، ومشاركتها في صنع القرار لمجرد تقديمها الدعم المادي لمن استطاع الوصول لتلك الطاولة المتمثلة في السلطة.
على نفس الطاولة، التي يجلس عليها ذلك الأخرق، يجلس أيضاً شخص واعي مبصر تعب من إبصاره، فقرر الاندماج وتصنّع العمى بعد أن وصل ليقين أنهم قضية خاسرة لا تستحق المحاربة من أجلها، ومبصر آخر قرر الاندماج للحصول على الرضا والقليل من المحبة. تلك القلّة من اليقظين وسط هذا الكم الهائل من النيام تتناقص أعدادها كل يوم لأسباب مختلفة.
في مشاهد قليلة جداً تكاد لا تلاحظها، يتناول الفيلم مسائل أخرى تخص مشاكل نابعة من تكويناتنا الأسرية، كأن يقضي أحدهم حياة كاملة من أجل أن يثبت أنه كيان مستقل وليس مجرد امتداداً لعائلته (عباءة الأهل والخروج منها)، كما تحدث عن أبناء الطبقة المخملية وانفصالهم المضحك عن الواقع.
كل هذه المشاكل طرحها الفيلم عرضياً، أو ناقش بعضها بشكل مفصّل...الآن هنا يجب أن نسأل، من أوصلنا إلى هنا؟ ليكون الجواب مقتضباً، نحن من صنعنا هذا الواقع ونحن من نقف اليوم لنتذمّر منه.
أما بالنسبة لنهاية الفيلم فقد يراها البعض مجرد نهاية عادية ولكنها نهاية قرأت واقعنا بعين وذهن يقظين، فكانت أشبه بنبوءة. المُذَنّب ما هو إلا رمزية للكارثة التي ستأتي من الخارج وسنشارك في تفاقمها، أو ربما سنصنعها نحن هنا فيما بيننا.
والآن برأيك لماذا باعهم العقيد الوجبات الخفيفة المجانية؟