ثقافة
14.06.21

المرسكاوي النسائي: إعادة اكتشاف خديجة الفونشة

ينطلق الصوت من هاتفي بكلمات "نهيتك غلبتيني كبرتي ناره...بو خد في الظلمة يبان شرارة" وتعود إلى ذاكرتي، مع صوت خديجة الفونشة، أيام دراستي بالمرحلة الثانوية حين كنت أستخدم كلمات أغانيها للتعبيرعن حالات مملوءة بالشوق واللهفة واضطراب في المشاعر. ولم أكن طبعاً قد عاصرت فترة مجد خديجة الكاديكي (الفونشة)، ولم أستمع إلى صوتها أصلاً، لأنها ليست من جيلي ولأنني لست من جيلها أيضاً، لكنني كنت أستمع إلى أغانيها بأصوات فرق غناء نسائية مختلفة، في مناسبات مختلفة، وبلحن مختلف، بالإضافة إلى صوت خالتي وهي تغني "عزيزة والعزة بالله ..عندك جاه ..عليك يابلادي ما شا الله"، أو صوت والدتي التي كانت تغني أحيانا أغنية "يا عمارة يا منكوبة."

إعادة اكتشاف خديجة الفونشة:

ولدت خديجة الفونشة في بنغازي 1935 لأب موسيقي يجيد عزف البيانو وقد قالت في آخر ظهور لها أنها لا تعرفه كثيراً لأنها عاشت مع والدتها حواء الورفلي التي كانت تشجعها على الغناء. عرفت خديجة الفونشة في صفوف جمهورها بطبعها الودود وحبها للفن والوطن حيث كانت تتنقل بين المدن الليبية وتحمل معها فرقة مكونة من ضابط إيقاع وزميلتين أخريين لإحياء الأعراس والمناسبات المختلفة. كانت قد ظهرت قبل قرابة عامين في لقاء حصري على قناة ليبيا 218 لتحكي قصة أول شريط كاسيت قامت بتسجيله، وقد قالت أن تسجيل هذا الشريط جاء بالصدفة وأن أمره لم يكن مخططا له أصلاً، رغم كونه العلامة الفارقة في مسيرتها الفنية.

كانت خديجة الفونشة بالنسبة للكثيرين مجرد مغنية أعراس يمكن تسميتها "منشطة" أو "زمزامة\درباكة" وليست فنانة بالمعنى الحالي للكلمة، غير أن الواقع يثبت أن خديجة الفونشة كانت من النساء القلائل في جيلها والجيل الحالي اللاتي اكتسبن سيرة فنية طويلة الأمد مقارنة بغيرها، خصوصاً أنها امتازت بغنائها المميز لفن المرسكاوي حيث يكتسح الرجال ساحة هذا الفن عن آخرها، لتكون الفونشة الصوت النسائي الرائد لأغنية المرسكاوي الليبية، كما أن الفونشة قد حظيت في فترة الثمانينات وما بعدها بظهور تلفزيوني لأغانيها الوطنية التي عبرت فيها عن حبها لبلدها ليبيا.

معوقات الفن النسائي الليبي:

ولم تكن خديجة الفونشة بمعزل عن المعوقات والنظرة الاجتماعية السيئة للغناء بالمجمل وللغناء النسائي خصوصاً، إلا أنها استمرت في تقديم نتاجها، واستمرت في إحياء حفلات الزفاف واحياء المناسبات الوطنية أيضاً غير عابئة بما يقال عنها، وضاربة بعرض الحائط نظرة المجتمع الغريبة التي تقبل الاستماع للأغاني وترفض المغني\المغنية وتقوم بنبذه.

وقد كانت العائلة هي الداعم الرئيسي للفونشة، لهذه الفنانة التي يذكرها التاريخ حتى اليوم، في حين -وبالمقارنة- أفل نجم الكثير من الفنانات، رغم جمال وفرادة صوتهن، فقط بسبب انعدام وجود داعم حقيقي، بالإضافة إلى النبذ والإقصاء الاجتماعي والنظرة السيئة التي ينظر بها عموم المجتمع للغناء وللمغنية الأنثى تحديداً.

أغاني الفونشة بين الحاضر والماضي:

كنت أبحث منذ فترة بين طيات الانترنت وبين مواقع مختلفة، أدخل إلى موقع وأخرج من آخر، أقلب التويتر واليوتيوب بحثاً عن أوضح التسجيلات لحفلات الفونشة، إلا أنني لم أجد إلا القليل جداً، فلم يكن صوت خديجة الفونشة مضبوطاً في كل التسجيلات التي وجدتها على الإنترنت وأغلب هذه التسجيلات كان يغلب عليها طابع التشويش الذي ينقص من قدر الصوت ومن وضوحه إلا أن الكلمات كانت دائماً ما تشدني للاستمرار، وكانت تجعلني أحاول غناءها بصوتي، وكانت تجعلني أتمنى أن تغني الفونشة الآن في الوقت الحاضر دون أي وجود لأي تشويش في الخلفية.

خديجة الفونشة : حفلة النهر 1984

مقالات ذات صلة