ثقافة
29.09.21

الأغنية النسائية: فرق الزمزامات في ليبيا

يمكن تقسيم الأغنية الشعبية بشكل عام إلى قسمين: أغنية نسائية وأخرى رجالية، حيث يمكن اختصار الأغنية النسائية في "فرق الزمزامات" (وهي التي تهمنا هنا)، والأغنية الرجالية يمكن اختصارها والتعبير عنها في "فرق الزكرة"، ويمكن تعليل هذا التقسيم إلى انقسام المجتمع الليبي في مناسباته الاجتماعية، فكل مناسبة اجتماعية سواء أكانت فرحاً أم مأثماً تتم غالباً بطريقة يتم فيها فصل الجنسين عن بعضهما البعض، حيث يوجد الرجال في مكان محجوب عن النساء وتوجد النساء في أماكن مغلقة محجوبة عن الرجال أيضاً، حيث أن هذا الأمر هو مقرر سلفاً ونصّت عليه العادات والتقاليد التي تشكل عرفاً مجتمعياً لا يمكن تجاوزه بسهولة.

وغالباً ما تكون أغاني الزمزامات أمراً باعثاً للبهجة كما تكون الزكرة كذلك، ولكن الزكرة تملك مقوماتها وآلاتها الموسيقية وهمومها المختلفة وتملك الزمزامات مقوماتٍ وهموماً أخرى، ولكل من هذه الألوان الشعبية سحرها المنفصل الذي يميزها عمّا سواها.

تاريخ الزمزامات:
يرى البعض أن الزمزامات كفرق نسائية يبدأ تاريخها منذ عهد الدولة القرمانلية أي أنها ترجع بأصولها إلى ما قبل قرنين من الزمان أو ربما أكثر، حيث كانت الزمزامات يُغنّين في حفلات "حريم القرمانلي" حاكم طرابلس وبعض مواكبه، ولكنها مع مرور الزمن أصبحت فرق شعبية يتم استدعاؤها لإحياء حفلات الزفاف بناء على رغبة أصحاب العرس وبعد التفاهم سلفاً حول التسعيرة التي غالباً ما تكون كبيرة وتصل أحياناً إلى 5 آلاف دينار وأكثر.

اغاني ليبية زمزامات 1

وتنتشر الزمزامات كركن ثابت في الأفراح في العاصمة طرابلس أكثر من سواها من المدن فمدن كمصراتة مثلا أو زليتن أو قرى الجبل لا تهتم كثيراً باستئجار الزمزامات حيث تكتفي نساء هذه المدن غالباً بإحياء الأعراس بواسطة القريبات والجارات حصراً، ويندر أن يتم استدعاء أي دخلاء من الخارج خصوصاً أن شخصية الزمزامة ينظر لها في هذه المدن التي تتسم بطابعها المحافظ بصورة مستهجنة، فالزمزامة كما يقول الكاتب محمد النعاس:

"امرأة خارج مجتمع النساء، لا يعترف لها الرجال ولا النساء بلقب امرأة، ولهذا لم تقع عليها نفس القوانين التي تقع على المرأة الليبية نظراً لانتمائها لعرقيات وخلفيات اجتماعية يرى المجتمع الليبي في الغالب أنها لا تعبرعنه."

ويرجع هذا الاستهجان في غالبه إلى نمط الحياة التي تختارها الزمزامة (أو بالأحرى تفرض عليها) فالخمر والسبسي والمخدرات هما القوت الروحي للزمزامة كما كانت سابقاً غير أن التحول في شخصية الزمزامة يبدو واضحاً في السنين الأخيرة، فالزمزامة لم تعد تدخن علناً ولم تعد تشرب علناً، بل أصبحت مع مرور الزمن أكثر تحفظاً وتعقلاً، ويرجع الأمر غالباً إلى ضغوطات تمارس عليهن من طرف الزبائن الذين أصبحوا مع مرور الوقت هم من يملون شروطهم عكس ما كان يحدث في السابق حيث كانت الزمزامة هي من تملي شروطها وتضع تسعيرتها أيضاً.

أغاني الزمزامات:
تعبّر أغاني الزمزامات عادة عن المعاناة النسائية، ولكنها معاناة تركز حصراً على علاقة المرأة بالآخر\الرجل، الذي غالباً ما يمثل الأب والأخ والزوج والابن وغير ذلك. فكل الأغاني يمكن أن تكون مدحاً لاسم العائلة أو مدحاً للزوج أو تباهياً بالأب، ولكن وعلى الرغم من كل ذلك هناك دائماً اتجاه آخر تعبر فيه الزمزامات عادة عن معاناة الحب والفراق واللهفة بأغنيات تتراوح في حدتها بين الغزل البريء تارة وبين الإيحاءات الجنسية الواضحة تارة أخرى، كما أن أغنيات الفراق التي تعبر عن الفقدان والهجر والخيانة عادة ما تصاحبها كلمات وجمل تعبر عن فكرة الانتقام، أو في حالات أخرى تكون مليئة بالدعاء بالهلاك أو الفقر والمرض.
وتتغنى الزمزامة أيضاً بالعريس أو العروس وتكيل لهم المدائح عن طريق التركيز مثلاً على خصائص جسمانية معينة أو التركيز على خصالهما الحميدة وعادة ما يترافق مع هذه الأغاني تفاعل الحاضرين في العرس الذين يتفاعلون بشكل ايجابي مع كل الأغاني باختلاف حدتها وباختلاف موضوعاتها أيضاً.

اغاني ليبية زمزامات 2

الزمزامة الدي جي DJ:
بدأ مؤخراً استبدال الزمزامات كفرق نسائية مكونة من خمسةِ أو أربعة نساء أو أكثر بآلات موسيقية تتراوح بين الكورج والطبول بكل أنواعها خصوصاً "البندير" و"الدربوكة" بزمزامة واحدة نطلق عليها جُزافاً لفظ "الدي جي" أو "المنشطة"، ويعتبر هذا التجلي هو التجلي الحديث للزمزامة وهو آخر تحول نشهده هذه الأيام، فالزمزامة لم تعد تغني بل أصبحت تنسق الأغاني فقط، ولم تعد تعزف على الطبل بل أصبحت تتعامل مع آلات إلكترونية وتحولت شخصيتها من امرأة لا تهتم بقيم المجتمع وترفضها إلى شخصية مهادنة تحارب وتتحول وتتغير لكي تكسب لقمة عيشها، ضاربة بعرض الحائط كل تلك الخصائص التي ميّزت الزمزامة الأولى، تلك الزمزامة التي صورها الفنان عبد الرزاق الرياني كامرأة بزي تقليدي تمسك عود سبسي باليد اليسرى وتمسك الدربوكة بيدها اليمنى، امرأة مبتسمة تنظر باستعلاء إلى كل ما يحيط بها.

مقالات ذات صلة