ثقافة
25.11.21

أحمد فكرون: سيرة فنان منسيّ

 لطالما تمّ اتهامي داخل أوساط مدينتي وبين أصدقائي بالانحياز المرضيّ إلى بنغازي، بحبها دون رؤيتها، وبتعاطفي معها وبغير ذلك من الأمور، حتى أنني فكرت كثيراً في زيارتها والمكوث فيها، دون أن أجد الشجاعة أو الوقت للقيام بذلك جديّاً. بنغازي بالنيهوم الذي أجادله داخل عقلي دائماً، بخليفة الفاخري ووفاء البوعيسي وغيرهم الكثير كانت تستحوذ على جزء من عقلي، هذا دون أن نغفل عن ذكر فناني الليبي المفضل أحمد فكرون الذي أسرد هذه المقالة لأجله وللتعريف به، هذه المقالة التي هي أقرب لتدوينة عاطفية منها إلى مقال مُحكم.

أحمد فكرون بالنسبة لي، كشخص يعشق الموسيقى القديمة، خصوصاً تلك التي تمزج ما بين الألحان الغربية والشرقية، كان اكتشافاً. سمعت أغانيه كلها تقريباً وكانت تمتاز جميعها بالألحان ذات الطابع الشرقي الممزوج بألحان قريبة لموسيقى السول والفانك والبوب وأحيانا بألحان قريبة بل ومشابهة لأغاني الريقي.

إعادة اكتشاف أحمد فكرون

ولد أحمد فكرون في بنغازي عام 1953 وهو مغني وملحن وموزع وصلت شهرته إلى العالمية باعتباره أحد رواد الموسيقى العربية الحديثة، هذه الموسيقى التي مزجت ما بين الألحان الغربية والألحان الشرقية وأدخلت آلات مثل الغيثار والدرامس والساكسفون إلى الساحة العربية دون المساس بأصالة الكلمات ودون تهميش للآلات الموسيقية الشرقية، واعتبر هذا اللون الموسيقي وكل ما أحضره معه من ألحان وآلات ثورة فنية في حقب السبعينات والثمانينات وما بعد ذلك فقد ظلت الموسيقى تتطور وتتداخل إلى أن وصلت إلى شكلها الحالي هذا دون أن نغفل بروز أنماط أكثر حداثة هذه الأيام من أمثال ذلك النمط الموسيقى التي امتازت به فرقة "مشروع ليلى" التي اكتسحت الساحة العربية قبل سنوات بالإضافة إلى الفنان حمزة نمرة ودينا الوديدي وغيرهم الكثير.

كان أحمد فكرون قد شكل فرقته في مدينته بنغازي عام 70 تقريباً إلا أنه اصطدم بمجموعة من المعوقات من بينها كونه صاحب طموح كبير لم يتناسب مع الطموح المحدود لرفاقه ما جعله ينتهز الفرصة للذهاب إلى العاصمة لندن لأجل الدراسة والبدء من هناك في مشواره الفني بعد فترة.

وتنوعت تجربة أحمد فكرون داخل العواصم الأروبية ما بين لندن وروما وباريس ليكون أحد الأصوات العربية الرائدة والتي حصدت الاهتمام وسجلت اسطواناتها داخل استوديوهات العواصم الأروبية.

فكرون والانتماء إلى ليبيا

حين كان الكثير من الفنانين يتغنون بأمجاد الرؤساء وملوك الدول غنى فكرون أغنيته الشهيرة "يا بلادي حبك موالي" وهي الأغنية الأولى التي سمعتها له وكان ذلك بمحض الصدفة، وارتبطت هذه الأغنية بالنسبة لي بالراديو زمن الثورة في سنة 2011، حيث كانت تذاع بشكل مستمر على أثير إذاعة مصراتة المحلية وقتذاك وكنت حينها في الرابعة عشر من عمري غير أنني كونت نوعاً من الروابط تجاه فكرون وأغنيته المعتمدة في لحنها بشكل شبه كامل على آلة الغيثارة .

Ahmad Fakroun - Ya Blady I أحمد فكرون - يا بلادي

وفي ذات السياق أيضاً غنى فكرون إحدى أكثر الأغنيات عبقرية في نظري التي حملت اسم وادي "سوف الجين" وهي في الأساس قصيدة للمجاهد أبورويلة المعداني يشرح فيها ظروف الجهاد وآثار المعارك مع الاحتلال الإيطالي التي دارت في هذا الوادي الواقع في بني وليد.
كان لحن الأغنية غريباً، الموسيقى مزيج بين الغرب والشرق والكلمات كانت ليبية خالصة بل تكاد تكون غير مفهومة لأبناء الجيل الحالي. وهنا بالتحديد تبرز عبقرية الأغنية، فأحمد فكرون قام بأداء موسيقي مختلف لأكثر القصائد قدماً واستعصاءً.
وظل أحمد فكرون مختلفاً عن حميد الشاعري في هذه النقطة حيث حاول الأخير تبسيط اللهجة الليبية وإدخال الكلمات المصرية فيها في حين اختفظ فكرون باللهجة الدارجة كما هي فقد ظل مرتبطاً بهذه اللهجة وظل يضيف إليها الطابع الغربي عن طريق الآلات والألحان دون أن يميعها أو يحيد في نطقها.

احمد فكرون : سوف الجين .... Ahmed Fakroun

أغنيات يجب أن تٌسمع

حين أرسلتُ لصديقتي الفلسطينية أغنية "الشمس" لأحمد فكرون علقت بقولها أنني أُذكّرها الآن بمحمد منير وألبومه شبابيك، غير أنني ظللت دائماً أعتبر فكرون أكثر تنوعاً وفرادة، فموسيقاه كانت في نظري غير قابلة للإمساك، عصية تماماً عن التصنيف ولا تستطيع نسبها لنوع موسيقي واحد.
فقد كانت أغنية "الشمس" مثلاً مختلفة جذرياً عن أغنية "عيون الحور" من ناحية الإيقاع، فالأولى هادئة ويتّضح فيها الغيثار أكثر من سواه من الآلات الموسيقبة، بينما الثانية كانت مليئة بأنواع كثيرة من الآلات الغربية والشرقية على حد سواء، فامتازت بلحن قوي وفريد يعبّر عن طموح فكرون وفرادته في أبهى صورة، في حين كانتا كلاهما تختلفان عن أغنية "ليل السهرانين" التي قُدمت للجمهور الفرنسي والأوروبي باسم "سوليه سوليه" والتي تم تصوير فيديو كليب لها، بالإضافة إلى أن فكرون قام بغنائها على نطاق عالمي وداخل المسارح الأوروبية.

Ahmed Fakroun - Helwa Esorah I أحمد فكرون - حلوة الصورة

لم أحب "ليل السهرانين" كثيراً رغم شهرتها الواسعة، كما أنني لم أحب أغنية "نسيان" رغم شهرتها الواسعة أيضاً، وقد ظللت على العكس من ذلك مغرمة بأغنيته "فلاح\إنسان" وظللت أحب سماعها داخل السيارة، فهذه الأغنية تصف الفلاحين أصحاب المزارع الذين ينتظرون البذور أن تنبت ويمسحون العرق عن جبينهم، في حين بزداد جسدهم اسمراراً بسبب مكوثهم لوقت طويل تحت أشعة الشمس الحارقة.

Ahmed Fakroun - R'bee Snini I أحمد فكرون - ربيع سنيني

وكانت أغنياته الهادئة عموماً هي ما يجذبني، فأغنية "ربيع سنيني" و أغنية "يا نورس يا حالم" بأصوات أمواج البحر في الخلفية، بالإضافة إلى أغنيته "تعالي حنيني" التي أحب إيقاعها بشكل خاص، ظلت تعطيني شعوراً بالاندماج لا أستطيع مقاومته وظلت تجعلني أحب فكرون وأغرم به كما أن هذا الأخير جعلني أحب بنغازي أكثر.

احمد فكرون : تعالي حنيني ..... Ahmed Fakroun

مقالات ذات صلة