ترفيه
22.05.22

عن الأبطال الخارقين

عانى البشر بشكل حقيقي مع تقبل عجزهم عن التحكم في الكثير من الأشياء، وكعادتهم بحثوا بشكل مضنيّ عن تفسير وعن من يحمل وزر هذا العجز. فاخترعوا الأساطير والقوى العليا بأشكالها المتعددة لتحمل هي ذنب كل سوء، ولتحمل على عاتقها مسؤولية تخليصهم منه.

  • فكرة الأبطال الخارقين:

نحن هم من اخترع الأسطورة ونحن أول من صدقها في إشارة أخرى لمعاناتنا مع تقبل عاديتنا وعجزنا الذي هو عنصر جوهري في تكويننا البشري. حاجتنا الملحة لشيء ما يتعدانا يحقق لنا عدالتنا المفقودة، يقتص لنا دون أي مجهود يذكر.

فكانت بداية هذه الفكرة (على حسب ما روته الذاكرة البشرية) مع الإغريق القدماء، حيث تتحدث آثارهم عن كائنات نصف بشر ونصف إلهة. فكل حقبة وكل حضارة اخترعت أساطيرها الخاصة وأضافت عليها لمسة قضاياهم واحتياجاتهم في ذالك الزمن تناقلوها إما شفهياً أو على هيئة نقوش ومخطوطات...إلى أن وصلنا إلى يومنا هذا، فاتخذت هذه الأساطير منحنى أكثر جدية، في رأيي، من أي وقت مضى حيث سنوياً تدفع مليارات على إنتاج أفلام وقصص مصورة ومسلسلات ترسخ هذه الفكرة.

السمة الأبرز في هذه القصص أنها بعيدة كل البعد عن الواقع ولا تعترف بشكل صريح بالنقص البشري الذي يجب الاحتفاء به كل يوم لما فيه من جمالية.

  • الخير والشر المطلقين:

رسخت هذه الأساطير بشكل واضح عبر السنوات فكرة الخير والشر المطلقين، هذه الفكرة غير الواقعية في عالمنا الحقيقي، في حين يتم تجاهل تام حقيقة أن هذه الصفات موجودة بنسب متفاوتة عند الجميع، فترتفع وتنخفض باختلاف عوامل عديدة.

يسلك البشر هذا التصنيف الطفولي لسهولته الواضحة، فيصبح من السهل الحكم على كل القصص ان نظرت لها بشكل مبسط (هذا الشرير وهذه الضحية)...نقطة انتهى.

لعله من الصعب والمرهق أيضاً تفهّم حقيقة أن للأسود والأبيض درجات كثيرة، وأن العالم في أغلبه يتأرجح في المنتصف. ربما في عالم مثالي يخلو تماماً من النقص سينتصر الخير دائماً، ولكن هنا سيهزم الخير في العديد من المعارك، ولن يكون تحقيق العدالة جزء من روتيننا اليومي.

 

  • تمسك البشر بأبطالهم الخارقين:

عبر السنوات تمسكوا بهم لنفس أسباب نشأة الفكرة من أساسها، ولكن سنتحدث الآن عن لماذا لا زالت الفكرة مستمرة وتُمثّل استثمار مضمون لصناع الأفلام مثلاً.

 

  • لماذا لا زالت هذه الأساطير محتفظة بجمهورها إلى الآن؟

من وجهة نظري الخاصة سبب استمراريتها بغزارة متزايدة هو تعلق البشر بمفهوم العدالة، فتقدم لهم هذه الأساطير عدالتهم المفقودة في عالم موازي، مع تجاهل تام لتساؤل من أوصل العالم إلى هذا القدر من الانغماس في الفساد بكل أشكاله، في محاولة منهم لتخدير هذا النوع من التساؤل الذي قد يؤدي بهم إلى تعرية الإجابة.

السبب الآخر طوره منتجو هذه الأساطير، فصنعوا عبر السنوات علاقة شخصية مبنية على الإحساس بالتشابه بين المشاهد والبطل، فأضافوا عنصر رواية الجانب الإنساني من البطل، بمعنى إضافة عنصر البشرية عليه وتجريده بعض الشيء من الألوهية، فتحدثوا عن علاقاته عن آثامه وآلامه.

 

  • الختام:

هناك جانب إيجابي يجب ألا ننكره، ولكن التأثير السلبي فاقه بأميال، ينحصر الجانب الجيد في القيم التي يقدمها للأطفال، ولكن مؤخراً ظهرت دراسات تحدثت عن أن الغالبية العظمى من الأطفال يتعلقون بالجانب السيئ من البطل، هنا نتساءل هل لا يزال الجانب الجيد قائم؟ ومن جهة أخرى هوس الكثير من الأطفال بهذه القصص يؤثر بشكل جليّ على توقعاتهم من العالم ونظرتهم إليه.

أما بالنسبة للبالغين فالأمر مختلف يشاهدونها كنوع من خطتهم للهرب من واقعهم العادي المليء بالنقص البشري، هنا أيضاً يفرض تساؤل ما نفسه، هل دائماً سنستطيع العودة لعالمنا الواقعي ونتعايش معه بشكل طبيعي بعد انتشائنا لمدة ساعتين وأكثر أمام خوارق أبطالنا اللامتناهية؟

 

مقالات ذات صلة